في الواجهةكتاب السفير

حزب العدالة و التنمية و ممارسة النصب السياسي

isjc

– يسين العمري

مدخل: 

من يخلط الدّين بالسياسة لن يُمَكَّنَ أبداً، و قد رأينا عديد التّجارب التي حكم فيها تيار الإسلام السياسي في مختلف البلدان العربية و الإسلامية، و التي أدّت لكلمة غير قابلة للتلاعب بها “الاندحار”، تجربة في مصر لم تتخطّ سنة، تجربة مرتبكة و متشنّجة في تونس، دون الحديث عن تجارب العراق و إيران و سوريا و ليبيا، لأنها نماذج بالغة القتامة و العتمة، و سنتحاول التطّرّق لتجربة حكومة يترأسها الإسلاميون (حزب العدالة و التنمية) في المغرب، لأنّ المغرب هو بلدنا و وطننا و قدرنا، و لأنّ الانتماء له شرف لنا و لكنّه أيضاً همٌّ نحمله في قلوبنا، إذ نحاول دوماً تمثّل هذا المغرب و هذا الشعب المغربي في أروع الصّور و أكثرها أَلَقاً و إشعاعاً و جَمالاً. لكن تجربة الإسلاميين في الحكومة بالمغرب، لم تكن لا على قدر عظمة بلد مثل المغرب، و لا على مقاس شموخ و اقتدار شعب مثل الشعب المغربي، و بالتالي نطرح السّؤال التالي: هل تعرّض المغاربة للنصب السياسي من طرف حزب العدالة و التنمية؟ لماذا؟ و كيف ذلك؟ 

أولا، أعترف أنني إذ أكتب هذا العمود، فأنا أحسّ بغاية الإحباط و المرارة، لأنني كنت كمواطن ممّن صوّت لحزب العدالة و التنمية في مختلف الاستحقاقات التي مرّ بها بلدنا من 2011 إلى آخر انتخابات تشريعية سنة 2016، ليس هذا فقط، فقد كنت أحثّ أهل بيتي للتّصويت لهم، لأنني كنت أحد من تمّ غسل دماغه و دغدغة مشاعره بخطاب مغلّف بشعارات الإصلاح و بنكهة دينية لم أستطع معها مقاومة “البروباغندا” أو “الدّعاية” التي مارسها ذلك الحزب، و من هذا المنبر، أعلن عن ندمي الشّديد و اعتذاري لكل مواطن مغربي، فرداً فرداً، لأنّني أعتبر نفسي و بحقّ، مشاركاً فاعلاً و مساهماً أصلياً في التّعاسة و ضيق الأفق التي جرّها معه هذا الحزب، و التي أذاقت المواطن المغربي صنوف المعاناة.

1- النصب باسم الدين:

إن حزب العدالة و التنمية، استغلّ بشكل فجّ المساجد و دور القرآن في دعايته السياسية، كما وظّف الخطاب الدّيني، لدرجة قد تشكل في المستقبل تهديداً للسّلم المجتمعي، فكان دوماً الحديث عن المغرب باعتباره فسطاطين، و هذا أمر يرسّخ التقسيم و يكرّسه، نعم منطق الأشياء يجعل أن هناك دائما التضادّ و بضدّها تتمايز الأشياء، فالأرض أرض و السماء سماء، و الأنثى يقابلها الذكر، الخ، هذا أمر مفهوم، و كون حزب العدالة و التنمية كإيديولوجية له خصوم أو حتى أعداء إيديولوجيين و سياسيين، هذا أمر مفهوم، لكن لا ينبغي أن تخرج قواعد اللعبة عن إطارها الصّحيح في التكييف، فالأمر برمّته صراع سياسي و انتخابي بالأساس، إلّا أنّ استغلال الدّين لشيطنة الآخر المختلف و إخراجه أحياناً من زمرة المؤمنين و إضفاء صفات و نعوت و ألفاظ، تقدح في المنافسين كتنظيمات أو أفراد، و تشكّكك في دينهم، و تشكّك في نواياهم و تفتّش ضمائرهم، و تقوم بالتلبيس و التشويش و التشويه لضربهم في مقتل، و إظهارهم للرأي العام بصورة قاتمة، أمر غير أخلاقي لا في السياسة و لا في الدّين و يضرب في مقتل قواعد التنافس الشريف. و هنا بالمناسبة، نلفت الانتباه أننا لا ندافع عن خصوم العدالة و التنمية، و لا عن بعض الأمور التي يتبنّوها، و التي نعتبرها ماسّة بالأمن الروحي للمغاربة، و لكن نقرّ أنّ رأينا كان دوماً أنه “ليس في القنافذ أملس”، و كان تصوّرنا دوماً هو محاولة اختيار “الأعور” من بين “العميان”، لكن في تجربة العدالة و التنمية اتّضح لنا أنّ الأعور كان هو الأكثر عمى من الباقين.

2- النصب باسم الإصلاح السياسي و الاقتصادي:

جاء حزب العدالة و التنمية بشعارات و يافطات كبرى، جعلت الجميع يتحمّس لهم في بداية الأمر، حيث ركّزوا من جملة ما ركّزوا عليه، على الإصلاح السياسي و تخليق الحياة العامّة و الإصلاحات الاقتصادية، لكن واقع الحال أفرز لنا أنّ هذا الحزب أعلن حرباً شعواء على الجميع، فقصفت نيرانه الثقيلة، و أقصد بها القوانين و الإجراءات التي تمّ تمريرها، في المقام الأول الطبقة الوسطى، حيث تمّ شنّ حرب كاسحة ضدّ الموظّف العمومي، استنزفت أجرته من كثرة الاقتطاعات، فالإصلاحات الموجهة بالأساس لصندوق التقاعد و المقاصة، جاءت على حساب الموظفين المغلوبين على أمرهم، عوض محاسبة من سمّاهم الأمين العام السابق للحزب ب”العفاريت” و “التماسيح”، الذين اتّهمهم بإفراغ تلك الصناديق، و تمّ تفعيل “عفا الله عمّا سلف” في وجه المتهربين من الضرائب. فهل هذا نصب أو لا يا متعلمين يا بتوع المدارس؟

هذا الحزب “المُصلح” عادى الموظفين و الأساتذة و الطلبة و الأطباء و رجال القضاء، و تقريباً كلّ فئات المجتمع، إرضاءً لمطالب صندوق النقد الدولي، و كانت حصيلته تحت يافطة الإصلاح، مديونية لم يصلها المغرب قطّ في تاريخه.

3- النصب باسم العدالة الاجتماعية:

تعويض الأرامل، منحة الطلبة، و أشياء كثيرة من هذا القبيل، كانت هي محاولة حزب العدالة و التنمية ليضع “العكر” فوق “الخنونة”، لأنّ هذا الحزب الذي يعلن في العلن انحيازه للفقراء، و يعمل في الخفاء و العلن على عصر جيوب الناس و إغلاق كل الآفاق و المجالات، هذا الحزب الذي تحوّل إلى مضخّة كبرى لإنتاج و تمرير مساطر و قوانين و إجراءات ضررها واضح، ليس آخرها قانون التربية و التعليم، و اللازمة التي يتغنى بها أبناء الحزب و يحفظونها عن ظهر قلب “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، أين هي في الواقع؟ ندفع الضرائب فنشاهد منتوجا إعلاميا هابطاً و فنيا ساقطاً و منتخباً مندحراً، و كلّ شيء من سيّء إلى أسوأ، في معارضة واضحة و فجّة لرؤية أعلى سلطة في البلاد.

4- النصب باسم الأخلاق و ادّعاء الطهرانية:

طالما تغنى الحزب و مناصروه بالفضيلة و الأخلاق، و طالما تحدّثوا معنا بمنطق “الطهرانية” و “القداسة” في مواجهة “المدنّس”، لكن الله ربّ العالمين عزّ و جلّ أبى إلّا أن يفضح و يكشف المستور، و يظهر لنا أجمعين أنّ الحزب أو قادته يعملون بوجهين، وفق منطق “أمام الناس قدّيس و في الخلوات إبليس”، فمن فضيحة “الكوبل البرلماني” إلى الفضيحة الجنسية الصّادة لشخصين من قادة الذراع الدعوي للحزب (حركة التوحيد و الإصلاح)، مروراً بقضية الحجاب في المغرب و الصاية و الشعر مطلوق في فرنسا، و هي أمور و إن كانت في بعض جوانبها شخصية، إلا أنها ما أعطاها الزخم و جعلها هدفا للتراشقات و الملاسنات، هو أنّ أهلها يدعون الناس للأخلاق و التطهّر، لكن هم للأسف منغمسون في حمئة الرّذيلة، هل يعقل أنّ من يخاطب النّاس بخطاب “الفضيلة”، و يحاول الإدلاء بدلوه في التربية أن يكون أول من يعمل ضدّ هذا، المفروض كقائد في الحزب أو الحركة التابعة له أن تكون قدوة في الصلاح و الإصلاح، لا أن تكون لك مغامرات لا يقوم بها حتّى المراهقون في الثانويات. 

نستدل في هذا الباب بالآيتين القرآنيتين الثانية و الثالثة من سورة الصف ” يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”، كما نتذكّر في هذا الصدد أيضاً البيت الشعري القائل: لا تَنْهَ عن خُلُقٍ و تأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فَعلتَ عظيمُ.

خاتمة:

إن شرف الهدف لا يقترن وجوباً بالوقت اللازم لتحقيقه،لأنّ الوقت قد يطول و لا يدرك المرء هدفه، بل قد يتوفّاه الله دون إدراكه، لكن الأهمية تكمن في العمل المبذول و الجهد و تحمّل المشاقّ للوصول إلى ذلك الهدف. و طالما سمعنا من قادة حزب العدالة و التنمية و قواعده و محبيه و المنتسبين له محاضرات عن “الإصلاح” و بكائهم أو بالأحرى تباكيهم في المهرجات الخطابية، و بالذات في الاستحقاقات الانتخابية، عن “استشراء الفساد و التحكّم و معاناة المواطنين و الفقر”…. الخ، و أنّهم في حالة لم يقوموا بمحاربة الفساد أو تمّت عرقلتهم، فسيضعون المفاتيح، و ينسحبون، لكن منطق “خيانة بن عرفة” هو منطق الحزب و منطق زعمائه،و قد أكّد الواقع الميداني و حصيلة تجربة هذا الحزب على رأس الحكومة أنّه لا و لم و يمكنني أضيف و لن تتعاطى مع عموم الشّعب إلا بمنتهى الانتهازية و المصلحية و التلاعب بالمصائر و المحاربة في الأرزاق، و أنها تجربة إن استمرّت لا قدّر الله، فإنّها لن تنتج إلا مزيداً من الحصاد المرّ.

و كسطر آخر، إن تجربة العدالة و التنمية في المغرب على رأس الحكومة، جعلتني فعلاً أغيّر جزءً من قناعاتي، كان يستحيل سابقاً تغييره، و هي خطورة “الذئاب الملتحية”، و قد قال أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد أنّ أكثر بضاعة رائجة في المجتمعات هي استعمال الخطاب الديني في مواجهة العامة، لأنها بضاعة رائجة و مكسبها مضمون، و يستطرد ابن رشد رحمه الله أن الله يستحيل أن يخلق العقل و ينص في كتبه و شرائعه على ما يخالف العقل، و إن إعمال العقل في حالة هذا الحزب يجعلنا نجزم بأنّه حزب آذى و يؤذي و إن استمرّ فسيؤذي المغاربة، و لن يجلب لهم النّفع قطّ.

  • باحث في القانون و الإعلام و مقاربة النوع الاجتماعي.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى