سياسةفي الواجهة

كلمة الحبيب المالكي في افتتاح اشغال المؤتمر الوطني السادس عشر لحقوق الطفل بمراكش

isjc

السفير 24

فيما يلي كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في افتتاح اشغال المؤتمر الوطني السادس عشر لحقوق الطفل:

أتشرف بالمشاركة في أشغال الدورة السادسة عشر للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل الذي يصادف هذه السنة مرور ثلاثين سنة على اعتماد اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989، مُطْلِقَةً، على هذا النحو، عهداً جديداً في التعاطي الدولي مع حقوق الأطفال ومُنَبِّهَةً الضمائر الإنسانية والحكومات والبرلمانات والمجتمعات المدنية إلى الأهمية القصوى لضرورة احترام حقوق الطفل وكفالة احترامها، وتنفيذِ ما يلزم من سياسات عمومية، واعتمادِ التشريعات الضرورية  لصيانةِ هذه الحقوق.

وقد كانت بلادُنا ، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وبتوجيهات من جلالته سَبَّاقَةً إلى التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل، إذ وقعها المغرب يوم 26 يناير 1990 انخراطا منه في هذه الآلية الدولية المركزية الخاصة باحترام حقوق الطفل.

ومنذ ذلك الحين، ووفاءً منها لقيمها الأصيلة والتزاماتها الدولية عززت بلادُنا من آليات صيانة حقوق الأطفال لعل من أبرزها، وأكثرها دينامية، وأنجعها على مستوى المقاربات والاقتراحات والعمل الميداني، المرصد الوطني لحقوق الطفل الذي تترأسه وترعاه صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، ويحظى بعطف وعناية خاصين من صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، تقديراً لأعماله النبيلة ولمكانته الوطنية والدولية وقوته الاقتراحية.

واسمحو لي، أن أؤكد اليوم، أنني واحدٌ مِمَّنْ يشهدون، على فضل هذه المؤسسة في نشر ثقافة حقوق الطفل والتحفيز على تَمَلُّكِها من طرف المؤسسات الدستورية والعمومية وهيئات الحكامة، وتجسيد ذلك في التشريعات وآليات الحماية، وفي جعل حقوق الطفولة وقضاياها في صُلْبِ النقاش العمومي والاهتمامات الوطنية.

لقد كان لهذه المؤسسة، ولآليات عَمَلِهَا بما فيها المؤتمرات الوطنية، التي هي بمثابة محطات للتقييم والترصيد واستشراف المستقبل، وبما في ذلك أيضا برلمان الطفل، الإسهام الكبير في إنجاز الحصيلة الوطنية في مجال حماية حقوق الطفل على مستوى التشريع، والسياسات العمومية والمخططات التنموية. 

وإذا كانت الوثيقة التركيبية الغنية التي أنجزها المرصد، تُغْنِينَا عن سرد تفاصيل حصيلة ما حققته المملكة لفائدة الطفولة خلال العقود الثلاثة الماضية، فإنه لابد من التأكيد والتذكير والإشادة بما تحقق على يد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله لفائدة الطفولة منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، إذ يحرص جلالته على جعل الطفولة في قلب التنمية البشرية وبرامج الحماية، وسياسات التعليم والتكوين، وفي صلب العناية بالأسرة، وفي صلب محاربة الهشاشة والفقر، من خلال الحرص على إحداث المؤسسات المعنية بالطفولة وعلى إقرار سياسات مستدامة لتيسير تمدرس الأطفال خاصة في المجالات القروية وضواحي المدن. وما رعاية جلالته لهذا المؤتمر إلا عربوناً آخر على اهتمام جلالته البالغ والمتواصل بحقوق الطفولة المغربية.

وبالموازاة مع الـمُنْجَزِ في مجال التشريع الوطني، حرص المغرب على الوفاء بالتزاماته الدولية والمصادقة على عدد من الآليات الدولية الملزمة وغير الملزمة المتعلقة بحقوق الطفل، وحرص على أن يتضمن دستور المملكة إقْرَاراً صريحاً بضرورة حماية الأطفال وضمان حقوقهم.

السيد رئيس الحكومة

بناتي وأبنائي الأطفال

السيدات والسادة،

ينعقد المؤتمر الوطني السادس عشر لحقوق الطفل في سياق وطني، مَوْسومٍ بالإصلاح، من عناوينه البارزة والدَّالَّة دعوة جلالة الملك أعزه الله إلى بلورة وإعمال نموذج تنموي جديد. وبالتأكيد، فإن الأطفال ينبغي أن يكونوا في قلب هذا النموذج بما يكفل لهم التعليم الجيد والمفيد، وبما يضمن لهم حقهم في التطبيب والتمتع بالصحة، وفي الرعاية الأسرية والمجتمعية، وفي الحماية من كافة أنواع التعسف ومن أي اعتداء، وبما يضمن لهم بالأساس، المستقبل، ذلكم أن الاستثمار في الأطفال، ومن أجل الأطفال، هو استثمار في المستقبل، واستثمار في الاستقرار، وفي التماسك الاجتماعي، مادام الإنسان هو رهان التنمية، وهدف السياسات العمومية.

إننا في مجلس النواب، إذ ندرك حجم التحديات المطروحة، على بلادنا في مجال حماية الطفولة وكفالة حقوقها، وإذ نُقَدِّرُ حجمَ الرهانات الموضوعَةِ كَأُفُقٍ وطني ينبغي ربحُها، فإنه علينا أن نقدرَ حجمَ المسؤولية التي تقعُ على عاتقِنا كمؤسسة تشريعية، ليس فقط من أجل ضمان استمرار الدِّينَامِيَات التي تشهدُها السياسات الوطنية من أجل الطفولة على مستوى التشريع، وفي مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضا من أجل المساهمة في جعل العُشرية المقبلة واعدةٍ بما يتطلب من قوانين وآليات حمائية ملزمة.

ومن أجل ذلك، وبناء على ماراكمناه من تشريعات متصلة بهذه الفئة الاجتماعية، سنواصل تطويرَ وتحيين منظومتنا التشريعية الوطنية بالقوانين التي تعزز حقوق الطفولة وتصونها وتكفل لها الحماية المجتمعية، سواء بالمصادقة على مشاريع القوانين، أو من خلال المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس متمثلة في مقترحات القوانين المعروض عددٌ منها اليوم على أنظار المجلس والتي تتعلق، على وجه التحديد، بمنع وزجر الاستغلال الجنسي والاعتداءات الجنسية على الأطفال وكفالة الأطفال المهملين.

وسنحرص من جهة أخرى على جعل قضايا الطفولة وحقوق الأطفال في قلب عملنا الرقابي بمختلف آلياته، وعلى جعل هذه القضايا في صلب السياسات والبرامج العمومية التي تخضع للتقييم، علما بأن مجلس النواب اختار التعليم الأولي كموضوع لتقييم السياسات العمومية برسم السنة التشريعية 2018-2019، إذ سنناقش قريبا التقرير الذي تنجزه المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتقييم، والذي سيتوج، دون شك، بمقترحات وتوصيات لن تكون إلا مفيدةً في مسارِ الإصلاح الجاري تنفيذُه في منظومة التربية والتكوين.

ومن جهة أخرى، سنحرصُ على مراقبة تطبيق القوانين خاصة من خلال إصدارِ النصوص التنظيمية التي تَرْهَنُ تنفيذَها، وَتَتَبُّعِ أَثَرِهَا وَوَقْعِهَا في تحسين أوضاع أطفالنا، وملاءمة تشريعاتنا الوطنية مع الآليات الدولية لحماية الطفل وضمان حقوقه ما لم تتعارض مع أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية.

وبالنظر إلى الأهمية القصوى التي تكتسيها الاعتمادات المالية الضرورية لأي سياسة عمومية، سنحرص، في إطار مهامنا الرقابية، على دفع السلطة التنفيذية، لاعتماد ما يمكن أن نسميه “ميزانية الطفولة” أو “الأجيال” بعد أن كانت بلادنا من البلدان السباقة لإِقْرَارِ “ميزانية النوع الاجتماعي”.

وسيكون من الأَفْيَدِ، بل من الضروري، في إطار التعاون الشامل بين السلط، أن نشتغل معاً، والاجتهاد مُجْتَمعين، من أجل تمكين الأطفال المنتمين للأسر ذات الدَّخْلِ الضعيف والمحدود يستفيدون من تَميِيزٍ إيجابِي في ما يخص الولوج إلى الخدمات الطبية المجانية في مختلف المؤسسات الطبية العمومية ووضع تصور للتعاون بين القطاعين العام والخاص حتى يتيسر للأطفال دون سن 18 سنة ولوج  الخدمات الصحية، على غرار ما تكفله الدولة من حقوق للأطفال في مجال التعليم ؛ إذ الأمر يتعلق بحقين أساسيين لا ينبغي البتة إخضاعها للخلاف. 

السيدات والسادة،

تطرح السياقات المجتمعية الجديدة المتسمة، من جهة، بتطور تكنولوجي غير مسبوق ومتسارع، ومن جهة أخرى بحروب ونزاعات داخلية وعابرة للحدود، عدة تحديات في ما يتعلق  بأوضاع الأطفال وتنشئتهم الاجتماعية. فالأطفال هم في مقدمة ضحايا النزاعات المسلحة وأوضاع عدم الاستقرار وما يترتب عن ذلك من هجرات ونزوح ولجوء جماعي. ووفاء بالتزاماتنا الدولية، سنحرص في مجلس النواب على مواصلة الإسهام الفعال في إطار الدبلوماسية البرلمانية للوقاية من النزاعات والتنبيه على أوضاع الأطفال ضحايا النزاعات. والأطفال من جهة أخرى مُعَرَّضُونَ لكل الجرائم التي توظفُ فيها التكنولوجيا المعلوماتية، وأصبحت مصدر قلق وانشغال الأسر والمؤسسات، مما يفرض علينا، كأسر وسلطات عمومية وفضاء عام،  اليقظةَ إزاءَ استعمالاتِ أطفالِنا لهذِه التكنولوجيا التي ينبغي توظيفُها من أجل التَّعلم والانفتاح والتحصيل العلمي والمعرفي. ويطرح علينا هذا التطور، كمشرعين واجبَ إقرارِ التشريعات التي تحمي أطفالَنا من شبكات الإجرام السيبرنتيكي والاستقطاب الايديولوجي الهدام، علماً بأن التوعية بضرورة الاستعمال النافع للتكنولوجيا ومواكبة الأطفال في ذلك، يظل من أنجع السبل لجعلها مفيدة.

السيدات والسادة،

إننا بالتأكيد مجمعون على شمولية حقوق الطفل وعلى الترابط الجدلي بينها، وعلى المكانة المركزية لقضايا الطفولة في التنمية. وكما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس، فإن “الكرامة، والسلم، والحد من الفقر، والقضاء على الجوع، والنهوض بالصحة، وضمان التعليم الجيد للجميع، والمساواة بين الذكور والإناث، وتأمين خدمات الماء الصالح للشرب ومرافق الصَّرْف الصحي، كلها متطلبات على قدر كبير من الأهمية، وهي مرتبطة في جوهرها بحماية الطفولة”. لذلك فإن علينا أن نستحضر دوما في السياسات العمومية وفي خطاباتنا، وحتى في البرامج التي تقدمها الأحزاب السياسية بمناسبة الانتخابات هذا التحدي، وهذه الرؤية الملكية، ذلكم أنه، كما أكدت ذلك صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم منذ أكثر من عقدين “المهم ليس هو العالم الذي سنترك لأطفالنا بل الأطفال الذين سنترك لهذا العالم”. إنها رهانات نبيلة، لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أنوه بها وأقدر عالياً التزام سموها منذ عشرات السنين من أجل تحقيقها، ومن أجل قضايا الطفولة.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى