سلسلة شهداء حرب الصحراءفي الواجهة

في زمن الحرب و الجوع

isjc

* ليلى اشملال

أمرنا بالتوجه إلى أحد الرجال “الكابران علي”، وهو رجل تقول ملامحه أنه دخل عقده الخامس، سلم علينا ثم أمرنا بأن نلحق به، توقفنا عند البيت البلاستيكي رقم عشرة  أو ما يسمونها ب “لاصير عشرة”،  كان بالداخل أزيد من عشرين عاملا ، موزعون داخل صفوف ذات علو بسيط و مغطاة ببلاستيك أسود، العمال الفلاحيين يطلقون عليها اسم “ريبوات” أما أصحاب الكفاءات والمتمدرسين فيسمونها ” paillage”.

منحنا الكابران علي عشر دقائق من وقته ليعلمنا تقنيات “الباليساج” ، وهي عملية بسيطة شيئا ما لكنها تستلزم السرعة، في بداية الأمر وفي يومنا الأول هذا كنا نحاول أن نركز جيدا فيما نفعله لكي نسرع ونلتحق بالعمال الذين غادرو البيت البلاستيكي العاشر إلى الحادي عشر، كانوا يعملون بجد واحترافية وكنا أنا وياسين بالكاد نسرع لكي نلتحق بهم حتى لا يظهر الفرق الشاسع بيننا وبينهم في كيفية وطريقة العمل، فالكابران علي ينقل كل شيء تبصره عيناه لمديره الأعلى مركزا منه، ليتكلف هذا الأخير بإيصال تقرير مفصل عن تجاوزاتك وأخطاءك لصاحب الضيعة الذي يقرر مصيرك  الأخير داخل محيط ممتلكاته.

تعبنا كثيرا جراء ساعات الوقوف الطويلة، كما أننا أحسسنا بجوع شديد، قال أحدهم أن هذا يحدث في البداية فقط وأننا سنعتاد على الأمر لاحقا، مثلنا مثل باقي العمال الذين ألفوا  جميع أنواع الألم والتعب والحرمان، أيديهم الخشنة والمتسخة تحكي الكثير من القصص عنوانها التحمل والصبر، فحتى أجسامهم الضعيفة تعودت على العمل الشاق حتى أيام المرض حيت الجسد يحتج والحرارة ترتفع!

يطلب الكابران علي من العمال الانصراف معلنا بذلك وقت الاستراحة التي هي وقت تناول وجبة طعام الغداء، كنت أتكأ على صديقي ياسين الذي نهرني حينما رميت بثقلي عليه:

– صاحبي متكاش عليا راني يلاه قادر نهز راسي

– شفتي تبارك الله الناس كي كتخدم ومكيعياوش أصاحبي

– دابا نولفوا حتى حنا خاصنا غي الصبر

– صراحة هاد الخدمة صعيبة بزاف

– وعلاش كاينة شي خدمة ساهلة؟

– تقدر تكون ولكن ماشي لناس لبحالنا

– شكون يوجد لغدا نتا ولا أنا؟

– أنا فيقتك لفطور وجد لينا بيض ومطيشة وسخن أتاي ديال صباح

كنا نتبادل حوارا مختصرا ونحن في طريقنا لمكان مبيتنا، توقفنا عند مدخل البناية، تركنا أحذيتنا الفلاحية المتسخة خارجا حتى لا نتسبب في اتساخ الأرضية وأكملنا الطريق إلى غرفتنا ونحن حفاة  القدمين، ذهبت لغسل وجهي ويداي ثم ارتميت على فراشي البسيط، بينما توجه ياسين ليحضر لنا طبق البيض والطماطم.

كانت ساعة واحدة هي كل ما نملكه من وقت وبعدها نذهب للالتحاق بالعمل من جديد حتى الساعة الرابعة زوالا، أثناء انتظاري لوجبة الغداء انتابني نعاس شديد حاولت مقاومته بكل جهد حتى لا أجد صعوبة كبيرة في النهوض لاستكمال ما بدأته صباحا.

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر و أربعون دقيقة حينما انتهينا من أكل طبقنا البسيط الذي أتبعناه كأسا صغيرا من الشاي، لم تتبقى سوى ربع ساعة لنرجع إلى أماكن عملنا، لم يكن لنا جهد للذهاب لكن الإصرار على الإستمرار هو ما دفع بنا للنهوض وارتداء الحذاء الفلاحي البائس من جديد.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى