في الواجهةكتاب السفير

البعد الهوياتي المفقود في بناء الدولة الوطنية الجزائرية

isjc

السفير 24 – محمد تكناوي

لا شك ان التجاذبات والتطورات التي عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية كان لها وقع وانعكاسات مختلفة على جميع الأصعدة بل وحتى على مستوى العلاقات بين دول الجوار وخاصة دول المغرب العربي.

و فترات الانفراج والهدوء النسبي التي شهدتها هذه العلاقات كانت قليلة فالسمة الغالبة لها منذ استقلال الجزائر سنة 1962 الى الان هي التوتر والصراع، و ربما شكلت سنة 1844 لحظة فارقة سجلت اسمى مظاهر التعاون باعتبارها السنة التي شهدت حرب إسلي الشهيرة حيث واجهت المقاومة المغربية جيوش الاحتلال الفرنسية تضامنا مع الجزائر مما تمخض عنه توقيع معاهدة للامغنية في 18 مارس 1845 وهي المعاهدة التي ترتب عنها انتقاص من التراب المغربي لينضاف الى التراب الجزائري وبقيت مشكلة الحدود مطروحة منذ حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 لكن المغرب كان يؤجلها حتى لا تعتبر مطالبه المشروعة هاته طعنا للثورة الجزائرية.

وكما اعتبر عدد من الباحثين فالوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية عموما يتوقف على عدة عوامل تاريخية وجغرافية ودولية وقد تشكلت تلك العوامل خلال العقود الستة الماضية ولكن دون اغفال تراكمات ورواسب الماضي. فمن الواضح والجلي اذن ان هناك اختلاف في التطور التاريخي للبلدين فالمغرب يمتلك رصيد تاريخي باذخ في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة ، ذلك انه مصدر السلطات ونقطة تجمع للتاريخ الاسلامي العربي في شمال افريقيا بينما الجزائر بوصفها وحدة سياسية ضلت دائما في بحث مضني لإيجاد هوية وطنية.

فالمغرب عرف نظام الدولة بالمفهوم السياسي المتداول و عايش هذا المفهوم منذ تأسيس الدولة الادريسية مرورا بالدولة المرابطية والموحدية والمرينية….. وبشكل ابرز بعد قيام الدولة العلوية، في حين أن الجمهورية الجزائرية تجد نفسها في حرج أمام عدم استمرارية الدولة لقرون عديدة وبمعنى أوضح فان تاريخ الجزائر يعاني من تمفصلات مرحلية تبرز من جهة ضعف مفهوم الدولة وتنم من جهة أخرى عن غياب البعد المركزي للدولة وتعويضه بالبعد الاتباعي لدولة اقوي في أشكال مختلفة وأحيانا اخرى ترمز لدولة ضعيفة الأمر الذي يؤكد ويعطي الدليل على تجدر الضعف في كيان الدولة الجزائرية.

وقد ضل تاريخ المغرب ومنذ بداياته الاولى نظاما موغلا في ممارسة الدولة ذات البعد الوحدوي من جهة وذات البعد الاستمراري من جهة ثانية رغم ما طرحته فترات انفلتت من عقال التاريخ .

مع تحفظ كبير خلال مختلف أوجه هذا الصراع ومراحله يتبدى ذلك في الحرص على استمرارية الدولة كمؤسسة ضامنة للاستمرار ومن تم فان تحريك أحدات التاريخ المغربي ما كانت لتتم دون استحضار البعد الوجودي للنظام في علاقته بمؤسسات الدولة وإذا استطاع المغرب كدولة أن يستثمر آليات التحصين في علاقته بالقوى الخارجية فان الجزائر افتقرت إلى تلك الآليات واستعاضت عنها بأطروحات انهزامية هيأت الأجواء لبروز علاقات مفارقة ومهينة للدولة الجزائرية.

وحين ظهرت الدولة العثمانية وبرزت هيمنة أساطيلها على سواحل البحر الأبيض المتوسط استطاعت أن تضمن لها بموطئ قدم بالجزائر في الوقت الذي وقف المغرب دون وصول الحكم العثماني الى أراضيه من منطلق قوة المغرب ومناعة أساطيله في تلك المرحلة.

وتماشيا مع صفة الضعف التي وسمت مفهوم الدولة في تاريخ الجزائر كان من السهل على فرنسا أن تحتل الجزائر ( 1830 ) في الوقت الذي لم يعرف المغرب هذه الوضعية إلا بعد مرور حوالي 80 سنة ما يفسر أكثر عنف المقاومة التي أبداها المغاربة والتي حالت دون استعمار البلاد الذي حدث متأخرا نسبيا بالنسبة للمغرب (1912) استطاع المغاربة أن يحرروا بلدهم في ظرف وجيز الشيء الذي لم يتسنى للجزائر الا بعد التدخل المساند الذي أبداه الشعب المغربي في شكل مساعدات لوجيستيكية وأحيانا بشرية وإذا كان المغاربة قد تفاعلوا مع هذه التورة الجزائرية بدافع الجوار والدين والتاريخ فان الجزائر وبفعل تفتح في قياداتها من قبل بعض المحسوبين على العالمين العربي والإسلامي أدارت وجهها وتنكرت كلية لدور المغاربة واختارت أن تواجههم في مواجهة عسكرية والتي عرفت بحرب الرمال سنة 1963، وحين نجزم بان التاريخ شكل تناقضا مع ديمومة الجزائر ولاستمراريتها كدولة متعاقبة المراحل فان الجغرافية هي أيضا لم تشد على القاعدة إذ أن الرقعة الجغرافية للجزائر لم تهيأ إلا أن تشرف على البحر الأبيض المتوسط عكس المغرب الذي تهيأ له أن يطل على ساحلي المتوسط والأطلسي وقد أصبح هذا الطموح التوسعي يشكل إستراتيجية تدعم مخططاتها العدوانية اتجاه المغرب.

ومن باب القفز على الحقائق وامتهان الافتراء السياسي انبرى بعض الجزائريين لوصف تورتهم بثورة المليون شهيد متناسين عن قصد وسبق إصرارا أن المغاربة شكلوا خلفيات هذه الثورة من خلال الدعم البشري والمادي وجعل الاراضي المغربية قواعد خلفية لجبهة التحرير الجزائرية وليس هناك شك في أن شهداء هذه الثورة لم يكونوا فقط من أبناء الجزائر بل أبناء قضية تبناها المغاربة كما تبناها الجزائريون مما يكشف عن مخطط مسبق في ذهن بعض مفكريهم لسحب البساط من تحت أقدام المغاربة الذين شاركوا في تلك الثورة واقتصار أبعادها على العنصر الجزائري وهذا يدخل ضمن تزوير تاريخ المنطقة.

فهذه الأحداث بما شكلته من محطات تاريخية أظهرت وبكل جلاء بان الحديث عن التاريخ في شمال إفريقيا هو حديث عن الدور الكبير الذي قام به المغرب من اجل الدفاع عن الكيان العربي في شمال إفريقيا وان الحديث عن الدولة بالمفهوم السياسي هو حديث عن الكيان المغربي عن الدولة المغربية التي ربطت مصيرها بمصير هذا التاريخ، وهو دليل اعتراف بان المغرب يعد بوابة ومنتهى التاريخ في هذه البقعة التي قدر للمغاربة أن يبصموا في تاريخها على محطات فخر ميزت الدولة وأمدت النظام المغربي باليات القوة ومحصنات المناعة واعترفت باستمرارية الدولة رغم الأمواج العاتية ورتقت بإرادة أبنائه الفجوات التي أحدثت ندوبا عميقة لدى الدولة الجارة الجزائر وخلقتلهم ما اسماه البعض ب المغربفوبيا.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى