في الواجهةكتاب السفير

جدل “القاسم الانتخابي”

isjc

* بقلم : عزيز لعويسي

لن نخوض في التفاصيل التقنية للقاسم الانتخابي وما يحمله من أرقام وحسابات لايفهمها إلا من حول الممارسة الحزبية والسياسية إلى مصالح ومكاسب ونجاحات وتوازنات ومناصب وكراسي، ولن نتيه كما يظن البعض في سراديب الجدل المتعدد الزوايا الذي أثاره هذا النمط الانتخابي داخل قبة البرلمان وخارجها، ولن نشرع في أي نقاش دستوري أو قانوني أو حتى ديمقراطي بعد أن بات “القاسم” الحكم الفيصل الذي سيتحكم في حركات وسكنات الاستحقاقات الانتخابية القادمة، ولن نميل كما يتصور البعض الآخر إلى صف المصوتين والمؤيدين أو نتخندق في خندق الرافضين والمعارضين والمشككين، لكن بالمقابل وبمعزل عن كل هذا، لنا حديث فيما جرى، ورأي فيما وقع من جدل ولغط وكر وفر وإقبال وتردد وقبول وتأييد ورفض ومعارضة وتنديد.

ما شهده البرلمان من تعبئة جماعية للأغلبية والمعارضة ومن حضور “غير مسبوق” للنواب البرلمانيين على خلاف مجموعة من القوانين ذات الأولوية وذات الطابع الاستراتيجي التي تم تمريرها واعتمادها في أجواء باردة وفي ظل نسب حضور خجولة، وما أحاط اعتماد هذا القاسم المثير للجدل من “قربلة برلمانية” أخلت بكل قواعد وضوابط الإجراءات الوقائية والاحترازية ذات الصلة بحالة الطوارئ الصحية، ومن ردات أفعال “مرتبكة” وصلت حد التشكيك والاتهام بالمساس بجوهر العملية الانتخابية والإخلال بقواعد الديمقراطية، يعطي الانطباع أننا أبعد ما يكون عن الديمقراطية التي تتأسس على قيم الحوار والمسؤولية والانضباط والرضوخ لرأي الأغلبية والاحتكام لروح القانون/ الدستور للحسم في أي ادعاء أو جدل في إطار دولة الحق والمؤسسات.

ما حدث من جدل ولغط متعدد المستويات بشأن هذا القاسم الانتخابي، لايعكس فقط أزمة في الديمقراطية والعمل البرلماني والممارسة الحزبية، بل مرآة عاكسة للوجه الحقيقي للسياسة في هذا البلد السعيد، والتي لا يمكن فهمها أو استيعابها إلا داخل نطاق المصالح والحسابات والأنانية المفرطة والريع والمناصب والكراسي، ما حدث يعطي للمتأمل أو المتتبع للمشهد السياسي، أن “الانتخابات” باتت مناسبة تتكرر كل خمس سنوات، تتحرك فيها “العجلات” المعطلة للأحزاب السياسية لحصد ما يمكن حصده من أصوات ومقاعد، تتيح فرص الظفر بما تجود به الممارسة السياسية من مسؤوليات ومناصب وكراسي تسيل اللعاب، في ظل مشهد سياسي يعطي الانطباع أننا أمام “مسرحية” نمطية تعاد فصولها كل خمس سنوات بممثلين يتقمصون نفس الأدوار أو يتعاقبون عليها أمام مرأى “متفرجين” اعتياديين يتحملون قسطا مما بات يعتري السياسة من عبث وانحطاط .

لما نترك هذا القاسم جانبا، ونستحضر اتساع دائرة الإقصاء الاجتماعي بسبب تداعيات جائحة كورونا التي لازالت تبسط سلطتها على البلاد والعباد، ونتأمل انكماش أو إفلاس العديد من الأنشطة التجارية والمهنية والخدماتية بسبب الأوضاع الوبائية القائمة بكل ما لذلك من آثار وتداعيات اجتماعية ونفسية على الكثير من الأسر، ولما نحاول أن نستوعب ما وقع في فاجعة طنجة التي وضعت حدا لحياة شهداء لقمة العيش، وما شهدته تطوان من أمطار طوفانية خلفت أضرارا جسيمة بالممتلكات الخاصة والعامة وبأرزاق الناس في ظل بؤس وتواضع البنيات التحتية، وما عرفته مدينة الفنيدق من احتجاجات عفوية مطالبة بالشغل والكرامة بعد انسداد منافذ التهريب المعيشي منذ ما يزيد عن السنـة، ولما نحاول تخيل واقع حال مغاربة الجبال والقرى النائية كلما حل موسم الشتاء، ولما نعاين ما يشهده الحقل التعليمي من مشاهد الاحتجاج والتذمر والإحباط واليأس وانسداد الأفق وسط الشغيلة التعليمية في زمن الإصلاح أو ما يسمى بالإصلاح، في غياب أية إرادة لإيجاد الحلول الممكنة، ولما نتأمل ما تعيشه الكثير من المجالات الحضرية والريفية من مشاهد الضعف والبـؤس والعشوائية والتسيب، ولما نحاول استرجاع ما شهدته السنوات الأخيرة من جرائم بشعة تقوي الإحساس بانعدام الأمن والطمأنينة …

كلها مشاهد من ضمن أخرى، تفرض علينا إدانة ما رافق القاسم الانتخابي من جدل ولغط، لأن المغاربة لا يهمهم “القاسم” ولا “الهيثم” ولا “الفيصل” ولا “قدور” ولا “العلمي”، ولا يهمهم نمط الاقتراع ولا من سيكون في الحكومة ولا من سينزوي في المعارضة ولا من سيتقدم ولا من سيتراجع، يهمهم أن يدركوا “الديمقراطية” في ظل أحزاب وطنية رصينة ومسؤولة تضع مصالح الوطن فوق كل اعتبــار، يهمهم أن يمثلهم برلمانيين يترافعون من أجل قضايا الشعب لا من أجل قضايا ومصالح أحزابهم البئيسـة، أن يدبر سياساتهم العمومية وزراء حقيقيين، قادرين على الاستماع إلى نبض الشعب، المغاربة يحتاجون إلى محاربة الريع والفساد والعبث والتفاهة والانحطاط، بما يضمن تخليق الحياة العامة وإدراك الحكامة الرشيدة بكل أبعادها ومستوياتها، يحتاجون إلى إعلام “مواطن” يرفع من منسوب القيم ومن مستوى الأذواق، ويضطلع بأدواره الكاملة في التوعية والتأطير والتثقيف وتعقب صناع العبث ودعاة الفساد، يحتاجون إلى منتخبين محليين يعيدون الاعتبار للمدن والقرى البئيسـة، يحتاجون إلى الصحة والسكن والتعليم الناجع والطرقات والشغل والماء والكهرباء والفضاءات الخضراء والحرية والكرامة، يحتاجون إلى إرادة حقيقية تتحقق معها أهداف “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ومقاصد محاربة الاستبداد وأخواتـه ..

المغاربة يحتاجون بالعربية “تاعربيت” إلى من يسمع لهم ويخدم مصالحهم ويعبر عن تطلعاتهم ويرافـع دفاعا عن حقهم في الكرامة والحياة … هذا هو “قاسم المغاربة” أما “قاسمكم أنتم” فلا يعنينا ولن يعنينا .. “لكم قاسمكم ولنا قاسمنا”، وجدلكم أو لغطكم، ما هو إلا زوبعة نمطية في فنجان السياسة البئيسة، لن تؤخر ولن تقدم ولن تغير، لأنكم تترافعون ليس من أجل صون المشروع الديمقراطي ولا من أجل منظومة تشريعية رصينة تؤطر الانتخابات، ولكن من أجل الدفاع عن “قاسمكم” الذي تتحكم فيه هواجس الربح والخسارة والتقدم والتراجع، في مشهد سياسي عبثي يعاني أزمة قيم وأخلاق، لازال بعيدا كل البعد مع حلم “ربط المسؤولية بالمحاسبة”…

[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى