كتاب السفيرمجتمع

اكتشاف المصلحة العامة كجثة هامدة بعد تصفية كائنات التسلط الانتهازي بالعمادة السابقة بكلية الحقوق بالمحمدية (الجزء الثامن)

isjc

* بقلم: د. المصطفى ساجد

فهذا القرار العقابي الجبروتي خطط له من طرف العميد السابق وأعضاء طاقمه، الذين يكنون عداءا لهذه الفئة الأستاذية وتحقيرا لطبيعة مهامهم المعرفية، وكذلك بمباركة الموالين من أعضاء مجلس الكلية وأساتذة مساندون بالتحريض ضد هيئة تدريس اللغات والتواصل، باعتبار مدرسي هذه الوحدات حائط قصير يمكن الدوس على كرامتهم وتحريك أساليب التهديد والترهيب ضدهم، والتعامل معهم كيد عاملة مياومة تستحق السحق والتنكيل والتحرشات والاستغلال وتوظيفهم كاحتياطي انتخابي ولقضاء مهام قذرة.

فأستاذات وحدات اللغات والتواصل اشتغلن في ظروف استغلالية و قمعية وإقصاء نقابي ممنهج وأن وضعيتهن تطابق ظروف استغلال الطبقة العاملة خلال الثورة الصناعية التي عرفتها مجموعة من الدول الأوربية خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر. فالطاقم الإداري ومجموعة من الأساتذة الذين يدورون في فلكه، كانوا يسوقون دوما أن أساتذة اللغات والتواصل ليس لهم الحق في الانخراط في النقابة الوطنية للتعليم العالي وأنهم يشتغلون تحت أوامر العميد والكاتب العام للمؤسسة. وعليه، فكانت تعطى تعليمات لعدم السماح لأستاذات هذه الوحدات لحضور الجموع العامة النقابية.

ما يثير الاستغراب والعجب بهذه المؤسسة هو التغيير الذي حصل فيما يخص التعامل مع هذه الفئة من الأساتذة  بعد التحاق الأستاذات الثلاث بمؤسسات أخرى والتي كانت تشكل هاجسا لطاقم إداري هدفه التدجين وتركيع الجميع لتسهيل تحقيق وإشباع أغراضه ومطامعه.

 فبعدما كانت هذه الفئة تعاني من تعسفات على الحقوق واستفزازات و حصار نقابي، فأفراد الطاقم الإداري ومن معه راجعوا أوراقهم في طريقة التعامل مع أساتذة اللغات و التواصل من خلال الابتعاد عن التعسفات والعمل على تكثيف ولاءهم بنوايا تجييشهم عند الاقتضاء لتلميع الصورة ولترجيح كفة معينة خلال المحطات الانتخابية للهياكل الجامعية والمكاتب النقابية.

 فقرار مغادرة المؤسسة اتخذ ضد البعض من أستاذات اللغات والتواصل اللواتي لم يقبلن تمريغهم داخل الأساليب والقنوات المنبوذة واللواتي انتفضن ضد ما اقترف في حقهن من تجاوزات قاسية و متعفنة على المستوى البيداغوجي، بتدخل الطاقم الإداري في شؤون تهم المسالك وهيئة الأساتذة، وعلى مستوى الترقية وكذلك لمواجهة الشراسة والاعتداءات الممنهجة ضدهن.

فعند تبرؤ الجميع من معاناتهن و وضعيتهن المأساوية، وبعدما اتضح لهن أن المؤسسة خالية عن عروشها وأن لا أحد يبالي بمساندتهن فإن الأستاذات المعنيات (الزوهرة الساقي، بلمكي، عفاف الطيب) اضطررنا الى تحرير شكايات مطولة ومدققة بالمعلومات حول ما كانا يتعرضن له من ممارسات ومعاملات سادية وتعنيفات حاطة من كرامة الإنسان.

 فخلال اعتصامهن، برآسة الجامعة، يوم اجتماع مجلس الجامعة، فالأستاذات الضحايا وزعن الشكايات على جميع أعضاء المجلس لتحسيسهم بخطورة حالتهن و وضعهم أمام مسؤولياتهم اتجاه الاعتداءات والخرق السافر لحقوقهن والاهانات والتهديدات التي كانت تقترف ضدهم من طرف فريق العمادة السابقة ومن معها.

فخطورة وضعيتهن دفعت الأستاذ محمد لعمير، ممثل النقابة الوطنية للتعليم العالي بمجلس الجامعة، الى الأخذ بزمام الأمور و ضرورة القيام بواجبه، بصفته الصوت النقابي بمجلس الجامعة، بحيث أنه تدخل بكل جدية وثقل لإنقاذ الأستاذات من براتن الاضطهاد و التعنيف الممنهج وذلك وفق مبادئ الحفاظ على الكرامة وإقناعهم بمزاولة مهامهم بكلية الآداب بالمحمدية و لهضمهن القطيعة مع مكان تستشري به نماذج لا يمكن المراهنة عليها في التضامن وفرض احترام الحقوق وعدم المساس بها، والتي عكس ذلك تختار الاصطفاف مع الجلاد باعتباره، بعد مركزته للقرار، ولي النعمة و المانح لتأشيرة العبور نحو كل التسهيلات والامتيازات التي تحقق استنفاذ طموحاتهم الوصولية والانتهازية على حساب خلق الضرر الجسيم للآخرين ومباركته.   

أين نحن من أسطوانة محاربة الفساد والحكامة الجيدة التي ما فتئ أن غردها الوزير السابق لقطاع التعليم العالي لحسن الداودي؟ فالوزير السابق المعني بالتعليم العالي و البحث العلمي، خصص ولايته في تشخيص وضعية هذا القطاع العمومي، دون الحد من تفاقم المشاكل، بل عكس ذلك أزم وضعيته من خلال منح المعادلات لشواهد المعاهد و الجامعات الخاصة وتبخيس القيمة العلمية لشهادة الدكتوراة بربط الترقية والتسلق في الدرجات في غيابها. كما أنه يتحمل كامل مسؤولياته في طبيعة اقتراحاته لمرشحين معينين لشغل منصب رئيس مؤسسة جامعية والتي تجد حوافزها في المقايضات النقابية والعلاقات الحزبية والقرابات المصلحية. فالمنطق الصحيح يفرض على من يغرد أسطوانة محاربة الفساد والمصلحة العامة أن يربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة عندما يتعلق الأمر برؤساء جامعات ومؤسسات تابعة لها عبثوا بالمسؤولية واقترفوا أفعال منافية للقانون. عكس ذلك فالوزير المعني تشبت بقوة بنماذج  من طينة بينوشي وشاوسيسكو و الذين تعمدوا و احترفوا التنكيل والطغيان وحولوا المؤسسات إلى أوكار للاعتداءات والتجاوزات وسن نظام زبونية الحقوق بتحويلها الى إمتيازات.

من بين كوارث الوزير السابق لقطاع التعليم العالي إصداره مرسوما ينص على توظيف دكاترة الوظيفة العمومية و إمكانيتهم تغيير الإطار إلى أستاذ التعليم العالي مساعد، بحيث أن القرار كان ذريعة وحافزا للتحايل على عدم خلق مناصب مالية جديدة، خاصة وأن الحكومة التي ينتمي اليها، كتلميذ نجيب للمؤسسات المالية الدولية، كان هاجسها وشغلها الشاغل هو خفض النفقات العمومية الموجهة للخدمات الاجتماعية في محاولة يائسة لتقليص عجز الميزانية، كما لو أن الخدمات الاجتماعية هي التي مسؤولة عن تفاقم العجز العمومي والدين الخارجي، متناسيا ما تستنزفه قطاعات عمومية أخرى، ذات الارتباط بالسلم المدني والأمن الخارجي، للمال العام والامتيازات الباهضة المكلفة للميزانية لفائدة ذوي المسؤوليات بالإدارات العمومية ومن يدور بدواليب الدولة النافذة، بالإضافة إلى انعدام الجرأة لفرض نظام ضريبي عادل و ذو مردودية مرتبطة ولصيقة بمنابع و أوعئة خلق الثروة، وكذلك من خلال امتناعهم عن سن الضريبة على الثروة في ظل مناخ اقتصادي وسياسي يتميز باستغلال النفوذ والمسؤوليات بدواليب الدولة لبسط السيطرة والهيمنة على مجموعة من القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والتي يتم الاستثمار بها من منظور ريعي واحتكاري يسهل ويمكن من تحقيق أهداف الربح السريع واليقين في غياب المنافسة والابتكار.

و الوزير، بهذا المرسوم الكارثي، تناسى وتجاهل عواقبه الوخيمة على مستوى حرمان الخريجين الجدد من الدكاترة الذين يطمحون إلى ولوج قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بأحقيتهم في التوظيف، وكذلك بالرجوع إلى ما نجم عن هذا المرسوم من استياءات وإضرابات من طرف فئة دكاترة الوظيفة العمومية.

يتبع..

أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى