في الواجهةكتاب السفير

ما بين نشيد الإنشاد وقصة أهولة وأهوليبة – ورطة “الكتاب المقدس”

isjc

* د. يسين العمري  – باحث في الدين والسياسة

   يبدو من العادي بل والمنطقي أن تجد لدى اللادينيين مثلاً تمظهرات الإساءة إلى صورة الله، لأنّهم لا يؤمنون به أصلاً، أو لدى الوثنيين لأنهم يعبدون أشياء مختلفة يجعلونها إلهاً لهم من دون الله، وعبر التاريخ عُبِدَت الأصنام، والكواكب، والشمس، والقمر، والحيوانات، والأرواح، والأشجار، والنيران، والماء، والبشر الأحياء والأموات، وكائنات خيالية لا وجود لها في الأصل، بل وعُبِدَت فروج النساء والأعضاء التناسلية للرجال لدى بعض القبائل قديماً وحتى الآن في بعض الأماكن الهند، واليابان ولدى طائفة الإيزيديين في العراق وتركيا، وهذه أمور بالنسبة لغير المؤمنين تبدو مستساغة لأنّ الله بالنسبة لهم إما غير موجود أو أنّه متمثل في الأشكال التي ذكرناها أعلاها، لكن المعضلة تبدو كبيرة بالنسبة لمعتقدات محسوبة على أنّها تؤمن بالله، وهذا الإيمان يفترض إضفاء القدسية والتنزيه على الله المعبود، لكن هذا لم يكن حال “الكتاب المقدّس”، في عهديه القديم (التوراة) والجديد (الإنجيل)، ممّا يصعب معه التسليم ببقاء الكتاب المقدّس بشكله الحالي بمنأى عن التحريف، لأنّ من أبجديات الإيمان بالله تنزيهه مطلقاً عن صغائر الأمور، التي لا يمكن أن يستسيغها العقل والمنطق السليم، ولا الذوق الروحاني الراقي.

   من هذا المنطلق يمكن مثلاً أن نضرب المثل بما نسبه الكتاب المقدّس في عهده القديم، إلى الله عز وجلّ من كلام جنسي، في غاية القبح والفُحش، والذي لا يمكن إلا أن يضع الإنسان مباشرة أمام تصوّر للأعضاء والوضعيات الجنسية، وكأنّما يتعلّق الأمر بنوع من الإباحية، وهو ما لا يليق أبداً ومطلقاً في حقّ الله عزّ وجلّ، والحديث هنا عن نشيد الإنشاد الخاصّ بالنبي سليمان عليه السلام، والذي يتكوّن من ثمانية إصحاحات.

     والواقع أنّ نسبة كلام جنسي محض وصرف إلى الله عزّ وجلّ تضرب في الصميم فكرة قدسيته وتنزيهه في الكتاب المقدّس وتنسفهما نسفاً، فنشيد الإنشاد يصف بشكل ماجن وعاهر وفاحش أعضاء المرأة من قدميها “ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم”، مروراً بسرّتها وبطنها “سرّتك كأس مدوّرة لا يعوزها شراب ممزوج بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن”، ثمّ ثدياها “ثدياك كخشفتين توأمي ظبية”، ثمّ عنقها وعيناها وأنفها “عنقك كبرج من عاج عيناك كالبِرَكِ في حشبون عند باب بث ربيم أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق”، وصولاً إلى شفتيها وفمها وخدّها “شفتاك كسلكة من القرمز وفمك حلو خدّك كفلقة رمان تحت نقابك”.

     ولم يكتف نشيد الإنشاد بوصف جسد الأنثى بأدقّ تفاصيله، بل ويصف كذلك أدقّ تفاصيل العملية الجنسية مثل التقبيل: “ليقبلني بقبلات فمه”، وعملية الجنس الفموي أو مصّ ذكر الرجل: ” ثمرته حلوة لحلقي”، إضافة إلى وصف اللوعة والاشتياق في مظهرهما الجنسي: ” في الليل على فراشي طلبت من تحبّه نفسي طلبته فما وجدته”. وفي تقديري نسب هذا الكلام لله عزّ وجلّ يزعزع صفة القداسة المفترضة فيه.

    وستتزعزع هذه الصورة المفترضة للقداسة الإلهية في الكتاب المقدّس وتتضرّر أكثر، إذا ما استحضرنا قصة الأختين أهولة وأهوليبة، حيث نجد منتهى الخلاعة والفُحش في القول والوصف، ووصف العضو التناسلي الذكري، ووصف عملية الجماع، وما في ذلك من ألفاظ جنسية نابية منسوبة إلى الله تعالى، إضافة إلى نسب بعض الأمور غير المستساغة لله عزّ وجلّ مثل تهييج العشّاق على هاتين الزانيتين في تلك القصة من باب العقاب لهما، ومن بين الأمثلة على هذه الإساءات لصورة الله من خلال نسبة كلام فاحش إليه لا يليق به، يمكن أن نذكر ما يلي: 

  • “وزَنَتْ أهولة من تحتي وعشقت محبيها آشور الأبطال”. 
  • “ولم تترك زناها من مصر أيضا لأنهم ضاجعوها في صباها وزغزغوا ترائب عذرتها وسكبوا عليها زناهم لذلك سلّمتُها ليد عشاقها ليد بني آشور الذين عشقتهم”.
  • “فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر منها وفي زناها أكثر من زنى أختها”. 
  •  “فأتاها بنو بابل في مضجع الحب ونجسوها بزناهم فتنجّست بهم وجفتهم نفسها، وكشفت زناها وكشفت عورتها فجفتها نفسي كما جفت نفسي أختها، وأكثرت زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر، وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل، وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباك، لأجل ذلك يا أهوليبة هكذا قال السيد الرب: ها أنذا أهيج عليك عشاقك الذين جفتهم نفسك وآتي بهم عليك من كل جهة“. 
  •  “في رأس كلّ طريق بنيتِ مرتفعتك ورجّستِ جمالك، وفرّجتِ رجليك لكلّ عابر وأكثرتِ زناكِ“. 

   وفي العهد الجديد من الكتاب المقدّس (الإنجيل)، فالله عوض أن يعاقب مثلاً على الزنا على الأقل نتحدّث هنا عن عقوبة الآخرة، نجد العكس حيث أنّ الله يكافئ فاعلي الزنا بالجنّة، حيث ذكر: “قال لهم يسوع: الحقّ أقول لكم إنّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله”، وكان الكلام هنا موجّهاً إلى طائفة تسمّى الفريسيين، وهو من الفرق الدينية اليهودية، وفي الحقيقة أرجّح أنّ العهد الجديد بهذا يشجّع على الزنا لأنّه لا يجعل له عقوبة أرضية غير العقوبة الإلهية، وهناك نصّ آخر يدعم لديّ هذا التوجه، والحديث هنا عن قول يسوع (المسيح عليه السلام عند النصارى) للمرأة الزانية: “أنا لا أدينك، اذهبي ولا تخطئي أيضاً”.فيسوع هنا اكتفى بالتوجيه الأخلاقي، عوض الرّدع أو الزجر القانوني، والإنسان بدون رادع يردعه فالأخلاق وحدها لا تكفي لضبطه، وأستحضر هنا مقولة جون ستيوارت ميل “القانون وضع للناس الأشرار والسيئين وليس للناس الطيبين”، لا بل العجيب والغريب هو عندما نعلم أنّ يسوع النصارى الذي يستحيل أن يكون هو عيسى بن مريم المسيح عليه السلام الذي يؤمن به المسلمون، لم ينكر على امرأة تعيش مع رجل غير زوجها وتعاشره، وهذه قصّة سأستغلّها لأبين أيضا استحالة أن يكون المسيح هو الله كما يزعم النصارى، فيسوع لا يعرف أنّ المرأة متزوجة، فقال لها: “اذهبي وادع زوجك وتعالي إلى هَاهُنَا، أجابت المرأة وقالت ليس لي زوج”، فكيف يكون إلها ولا يعرف الغيب؟ وهذا أمر يستحيل تصوّره في حقّ الله الخالق جلّ وعلا، ثمّ نكمل الحوار بين يسوع والمرأة، فنجده يقول لها: “الذي لك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق”، وهذه كارثة لا يمكن أن تصدر لا عن إله ولا عن نبي ولا حتى إنسان عادي له قدر من الأخلاق، فهو علم أنّها تعيش تحت سقف واحد مع رجل ليس زوجها، وتعاشره، ومع ذلك لن يستنكر الفعل، ولم يستقبحه.

   والخلاصة، يتّضح من خلال ما ذكرته من نصوص، ولاسيما الكلمات التي تحتها سطور، المنسوبة إلى الله تهزّ صورة وتسيء إلى طابع القداسة المفترضة فيه، ويستحيل أن تصدر عن ربّ كلّ تعاليمه (في القرآن الكريم على الأقل) تدعو إلى الطهارة والعفاف في القول والفعل.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى