أقلام حرة

جريمة المحمدية .. ملف دواوير الصفيح و الأشخاص المتشردين في الواجهة

isjc

السفير 24| عزيز لعويســي_كاتب رأي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي بالمحمدية، باحث في القانون وقضايا الأمن والتربية والتكوين

على خلفية جريمة القتل التي راح ضحيتها شخص متشرد ليلة الخميـــــــس الماضي على مستوى”دوار الشريف” بالمحمدية، والتي اهتز لها الرأي العام المحلي والوطني، لامناص من فتح ملفين إثنين يتعايشان جنبا إلى جنب في مدينــة اقترن إسمها في زمن مضى باسم “الزهور”، يرتبط الملف الأول بالأحياء القصديرية والهامشية التي لازالت تؤثث “مورفولوجية ” المجال الحضري للمحمدية، والثاني يلامس قضية الأشخاص المتشردين والمختلين عقليا الذين ساقهم قدرهم إلى شوارع وأزقة مدينة فقدت الكثير من بهائها ورونقها.

بخصوص الملف الأول، فقد تبين أن بطل جريمة القتل البشعة -الذي تفنن في قطع الرأس- ينحدر من “دوار الشريف” الذي يتربع منذ سنوات عند مدخل المحمدية على مستوى الطريق المؤدية إلى الطريق السيار الدار البيضاء الرباط، دوار صفيحي يتموقع بعيدا عن مركز المدينة قريبا من الحي الصناعي، وهو وضع أفرز تجمعا سكنيا غير مندمج على المستوى السوسيومجالي، تعاني ساكنته من العزلة والهشاشة والإقصاء والتهميش على جميع المستويات (غياب مركز صحي، ضعف الخدمات (الماء،الكهرباء،التطهير..)، بعد المرافق الإدارية، انعدام الأمن، بعد المؤسسات التعليمية، غياب فضاءات التسلية (ملاعب القرب، حديقة..)، العطالة خاصة في صفوف الشباب، … إلخ)، وهي وضعية مزرية تكاد تتقاسمها الأحياء الصفيحية التي لازالت تتموقع في أماكن متفرقة من المحمدية (شحاوطة، لبرادعةـ المسيرة…) وهذا الواقع الهش، قد يدفع ببعض الشباب – في ظل الإحساس باليأس والتهميش – إلى الانحـــراف والانسياق وراء الجريمة، وهذا ما أشار إليه عدد من سكان “دوار الشريف” الذين عبروا عن جانب من معاناتهم اليومية من السلوك العدواني للجاني، ومطالبتهم الجماعية بالحق في الأمن والسكن اللائق. لذلك فقد أصبح لازما على المسؤولين المحليين، التعجيل بإيجاد الحلول الممكنة للقضاء النهائي على ما تبقى من دواوير وأحياء صفيحية، وتمكين الساكنة من مساكن وفضاءات توفر شروط العيش الكريم وتقوي الإحساس بالمواطنة وحب الانتماء إلى الوطن، وقبل هذا وذاك تطهير المدينة من بعض “بؤر” الانحراف …

الملف الثاني يرتبط بشخص “الضحية” الذي كان قيد حياته “متشردا” و يقضي المبيت بالغابة المجاورة لدوار الشريف، وبشاعة الجريمة التي طالت هذا المتشرد، تفتح قضية الأشخاص المتشردين والمختلين عقليا الذين يعيشون بين شوارع وأزقة المحمدية يبيتون في العراء معرضين ليس فقط إلى قساوة الظروف الطبيعية في الحر كما في الشتاء، ولكن أيضا للعنف الذي قد يمارس عليهم في الشارع العام من طرف بعض الشباب والأطفال المتهورين، وهـــــؤلاء يتحركون بطلاقة علما أن البعض منهم يعاني من الاختلال العقلي مما قد يعرض المارة للخطر، ويقتاتون من قمامات الأزبــــال أمام أعين الساكنة والمسؤولين والفاعلين المحليين من سلطات محلية ونسيج جمعوي ومنظمات وهيئات حقوقية، كما هو الحال بالنسبة لمتشـــرد يلقب ب” سكيكـــرة” يتردد على أحياء الحسنية وحي الوحدة وحي الفلاح وحي الراشيدية ركزت عليه الأضــــواء مباشرة بعد اقتراف الجريمة الهمجية، وتم تداول صورته على نطاق واسع عبر مواقــــع التواصل الاجتماعي باعتباره هو الضحية الذي تم قطع رأســه، لكن تبين أن المعني بالأمر “حي يــرزق” وقد تمت معاينته في وقت سابق وهـو يقتات على بقايا الأطعمة من داخل إحدى القمامات على مستوى شارع الريـــــاض، وإذا كان ضحية القتل الهمجي قد حرم من الحق في الحياة من طرف مجرم مات فيه الضمير الإنساني، فقد كان في حالة “موت” وهو على قيد الحيـــاة بعد أن لفضه المجتمع وفرض عليه أن يعيش على الهامش كما تعيش الكلاب الضالة، بعيدا كل البعد عن شئ إسمه “الحق في الكرامة والحياة” … وهذا يسائل مختلف الجهات المعنية، ويفرض عليها التعجيل بإيجاد مايلزم من تدابير وإجراءات لحماية هؤلاء المتشردين من موت بطئ يحمل كل معاني القسوة والعذاب المستمر…كما يسائل الجمعيات الحقوقية المحلية التي من المفروض عليها إيلاء الأهمية لملف “حقوقي” بامتياز…

صفوة القول، فسواء تعلق الأمر بدواوير الصفيح أو بالمتشردين الذين ساقهم قدرهم إلى مدينة المحمدية، فهما معا “وجهان لعملة واحدة ” عنوانها العريض : الهشاشة والإقصـــــاء… في مدينــــــــة أن الأوان لتسترجـــع ماضيها المشــــرق كمدينـــة للزهــــــــور.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى