هل من طوق نجاة للعرب !؟
الصادق بنعلال
ما من شك في أن الوضع السياسي لجل الأقطار العربية يتسم بقدر كبير من الوهن غير المسبوق طيلة مراحل فترة ما بعد ” الاستقلال ” عن الاحتلال الأجنبي، فمن الواضح جدا أن تاريخنا الحديث حافل بالهزائم و الانكسارات العسكرية و الحضارية بالغة الخطورة على وعي الأفراد و المجتمعات، أبرزها النكبة و النكسة الفلسطينيتان و اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل و حروب الخليج .. بيد أن ما نعيشه راهنا ينذر بمآل عربي مرعب، و مصير دراماتيكي مخيف . فإذا وضعنا الدويلات العربية الصغرى جانبا و تأملنا حال شقيقاتها ” الكبيرة ” لخلصنا إلى نتيجة مفادها أن الكل في الهم شرق !
فالجزائر التي قدمت أكثر من مليون شهيد ، دفاعا عن الحرية و الاستقلال، بعد عقود من المعاناة، لم ” يسعفها ” موقعها الاستراتيجي الهام، و لا رقعتها الجغرافية الفسيحة، و لا الموارد الطبيعية الوفيرة، لتكون رائدة للعالم العربي في الديمقراطية و الإقلاع التنموي الشامل، بل إن جزائر الثورة كانت أول بلد عربي أجهض الربيع الديمقراطي في نسخته الأولى في مستهل التسعينيات من القرن العشرين .. و مصر أم الدنيا، و التي كانت بحق مصدر إشعاع ثقافي و فني أضاء كل الأرجاء العربية ، بفضل علمائها و مفكريها و أدبائها الفطاحل ، كنا نمني النفس أن تكون أيضا و بصورة أقوى مهادا لبلورة تطلعاتنا نحو الوحدة و التقدم ، و تجسيد تجربة سياسية عصرية ، مطابقة على الأقل لمنجزات الدول الإسلامية الراقية ، تركيا – إندونيسيا – إيران – لكن مصر الآن رمز لكل مظاهر الابتذال و النكوص و الانقلاب على الاختيارات الشعبية و المؤسسات الديمقراطية الشرعية، و قمع الآراء المخالفة لأصحاب القرار، و التنكيل بالأحرار .. و المملكة العربية السعودية حيث الحرمين الشريفين و موطن الرسالة المحمدية العظيمة، و الثروة النفطية الهائلة، كل ذلك كان من المتوقع أن يجعل منها قطبا اقتصاديا و سياسيا و فكريا عالميا، و نموذجا لا يضاهى في الحكامة الرشيدة، و الرقي الحضاري و الاستقلال التاريخي بحصر المعنى، أليست جنبات المملكة السعودية مهبط الوحي الرباني، الذي نزل خصيصا من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور !؟ من ظلمات الفساد و الاستبداد، إلى نور العدل و الصلاح !؟ غير أن السعودية كما يرى ذلك كل مراقب محايد ، ألحقت بالدين الإسلامي ضررا غير مسبوق، بمسلكها السياسي غير الراجح ، و اعتدائها السافر على الأشقاء من قبيل شن حرب ظالمة على اليمن ، و حصار جائر لقطر و تبذير خيراتها دون حسيب أو رقيب .. و لكن هل من طوق نجاة لهذه الأمة المنكوبة ؟
يرى صاحب هذه السطور أنه ، و على الرغم من الصورة المظلمة لحال العرب ، يمكن أن يخرجوا من عنق الزجاجة عبر انتهاج طريق لم يألفوه طيلة مسيرة تاريخهم السياسي غير المشرف ، إنه طريق العدل الذي هو أساس الملك و الاستقرار و الازدهار ! و لن يكون ذلك في حياتنا الراهنة إلا عبر إقامة نظم سياسية ديمقراطية متعارف عليها أمميا ، حيث السلطة للشعب و للشعب وحده ، مع ما يتطلب ذلك من مستلزمات الحداثة من دساتير ديمقراطية ، و هيئات سياسية وطنية و مؤسسات مالية و اجتماعية و ثقافية سليمة ، و انتخابات نزيهة تشارك فيها كل الحساسيات المجتمعية دون أي إقصاء أو استئصال، و فصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، مع ضمان حرية الإعلام بكل تمظهراته ، كل ذلك من أجل التداول السلمي و السلس على السلطة .. ما عدا ذلك فلننتظر السقوط العظيم لا قدر الله !