أقلام حرة

إقرار الساعة الإضافية في الوقت بدل الضائع .. مرآة عاكسة لسياسات الارتباك ..

isjc

عزيز لعويسي

   في الوقت الذي كان فيه الرأي العام الوطني يترقب صبيحة الأحد الثامن والعشرين من الشهر الجاري من أجل طي كابوس التوقيت الصيفي المعتمد والعودة إلى التوقيت الرسمي للمملكة المطابق لتوقيت “غرينتش”، تشاء الحكومة إلا أن تخرج عن الإرادة الشعبية وتضرب عرض الحائط موقف المغاربة من التوقيت الصيفي (+ساعة)، من خلال إقرارها هذا التوقيت بشكل رسمي ومسترسل طيلة السنة، وقد تقرر ذلك عقب انعقاد مجلس للحكومة صباح يوم الجمعة الماضي ارتبط جدول أعماله بمناقشة وتدارس نقطة وحيدة وفريدة ذات الصلة بمشروع مرسوم يتعلق بالساعة القانونية تقدم به الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية يهدف إلى إضافة ستين (60) دقيقة إلى الساعة القانونية المحددة في تراب المملكة.

  وإقرار هذا التوقيت بهذه السرعة وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يترقب العودة إلى التوقيت الرسمي صبيحة الأحد القادم، دليل على الارتباك وسوء التقدير من جانب الحكومة، وقبل هذا وذاك هو “قرار أحادي الجانب” يقصي الإرادة الشعبية بالكامل، ويفرض على الشعب أن ينصاع “عنوة” إلى سياسات وقرارات رسمية “لا شعبية” تعمق يوما بعد يوم  الهوة بين “الحكومة” و”الشعب”، فقرار من هذا القبيل يهم جميع المغاربة لارتباطه بمعيشهم وسلوكهم اليومي، وكان من المفروض الإصغاء إلى نبض الشارع وتقدير موقف المغاربة من هذا التوقيت الصيفي المعتمد الذي واجه ولا يزال يواجه انتقادات واسعة على المستوى الشعبي ، فمهمة الحكومة في جميع الحالات أن تصغي إلى نبض المجتمع وتعبر عن اهتماماته وتطلعاته وانتظاراته، وتبلور سياسات وبرامج حكومية قادرة على حل مختلف المشاكل والمعضلات التي يعاني منها المجتمع في جميع المجالات (الشغل، التعليم، الخدمات الصحية، أزمة التعاقد، الإجرام، محاربة الفساد …) وأن تساهم في إنجاح “المشروع التنموي المرتقب” ، لا أن تفرض على المغاربة قرارا أحاديا دون سابق استشارة، وتحدث بقرارها ارتباكا داخل المجتمع أفرز موجات انتقادات واسعة النطاق في واقع معيش ارتفع فيه منسوب الاحتقان المجتمعي.

   ودون الخوض في تفاصيل الأسباب التي تحكمت في العدول عن التوقيت الرسمي للمملكة وإقرار التوقيت الصيفي طيلة السنة، فقد أعلنت الحكومة عن اتخاد جملة من الإجراءات المصاحبة منها “تغيير الزمن المدرسي”، وهذا الإجراء المصاحب يبدو “معيبا ” من الناحية الواقعية، حيث لا يمكن تصور حالة تلميذ(ة) أو أستاذ(ة) ينهي عمله على الساعة 13و00د ويستأنف عمله بعد مضي ساعة أي انطلاقا من الساعة 14و00د ، أو حالة الأطقم الإداريـــــة التي سيفرض عليها الإجراء الجديد الاشتغال يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة السادسة مساء مع أقل من ساعة من الزمن كراحة (مابين الساعة 13و00د والساعة 14و00د) إذا ما أخدنا بعين الاعتبار أن “الإداري” سيغادر نهاية الحصة الصباحية (الساعة 13و00د) ويتعين عليه الحضور إلى المؤسسة قبل بداية الحصص المسائية (حوالي الساعة 13و45د)، كما أنه وفي ظرف أقل من ساعة من الزمن يصعب المغادرة إلى مقرات السكنى من أجل تناول وجبات الغداء ثم العودة على عجل إلى المؤسسات، والمشكل يطرح أساسا بالنسبة للتلاميذ الذين سينهون الحصص الصباحية على الساعة 13و00د ويستأنفون الحصص المسائية على الساعة 14و00د، فإذا غادروا إلى أماكن سكناهم فمن دون شك سيتأخرون عن موعد الدخول وهذا أمر واقعي ومنطقي، أما إذا فضلوا البقاء بالشارع على مقربة من المؤسسات التعليمية، فهذا قد يعرضهم إلى الخطر. والمشكل سيزداد حدة بالنسبة لتلاميذ العالم القروي، دون إغفال مشكلة الدفاتر والمقررات الدراسية، وهذا يضع التلميذ(ة) أمام اختيارين إثنين : إما يحضر معه جميع الدفاتر والمقررات الدراسية إذا كان يقطن بعيدا عن المؤسسة ويتعذر عليه الذهاب والعودة في أقل من ساعة من الزمن، أو يهرول إلى البيت ويغير الدفاتر والمقررات الدراسية ويعود على عجل إلى المؤسسة، وفي الحالتين معا سيتحمل التلميذ(ة) إما “ثقل” المحفظة أو”عذاب” الطريق ..، وبالتالي فالإجراءات المصاحبة التي ستعتمد رسميا مباشرة بعد نهاية العطلة البينية الأولى، من المرتقب أن تحمل المزيد من المعاناة لا إلى الأطقم الإدارية والتربوية ولا إلى التلاميذ خصوصا الذين يدرسون صباح مساء، وهذا من شأنه أن يفرز تداعيات صحية ونفسية، ويؤثر بالتالي بشكل أو بآخر على جــودة التعلمات، ويرفع من نسبة التغيبات خاصة خلال بداية الحصص المسائية، ويبقى التساؤل مطروحا فيما يتعلق بمؤسسات التعليم الخصوصي، فهل ستلتزم بدورها بالتوقيت الجديد، أم ستفرض التوقيت الذي يلائمها ويراعي مصلحة متعلميها.

  وفي هذا الصدد، فقد أعلنت الحكومة أنها ستباشر إجراءات مصاحبة أخـــرى تهم “التوقيت الإداري” الذي يرجح أن يبدأ على الساعة 09و00د صباحا بدل الساعة 08و30د صباحا، وكدا مواصلة “التشاور” مع باقي الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين بخصوص الإجراءات المواكبة، وهذا أيضا دليل على الارتباك من منطلقات ثلاثة : أولها عدم استشارة الشعب حول قرار يهم معيشه اليومي، ثانيها: عدم تقدير تداعيات الزمن المدرسي على التلاميذ والإداريين والأساتذة، ثالثها: الإعلان عن إجراءات أخرى مواكبة (التوقيت الإداري) ومواصلة التشاور مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، في الوقت الذي كان يفترض فيه -أولا- الإصغاء إلى نبض المجتمع والتشاور مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، وتنزيل إجراءات مواكبة لتدعيم الزمن المدرسي الجديد (مطاعم مدرسية، مقاصف …)، قبل اتخاد قرار لم يسلم من لغة الانتقاد والاحتجاج …

   صفوة القول، أن الجدل المتعدد المستويات الذي أثاره موضوع إقرار التوقيت الصيفي بشكل دائم،ما هو إلا مرآة عاكسة لبعض القرارات التي تقررها الحكومة من جانب واحد وتمررها بل وتفرضها على الشعب (ملف التقاعد نموذجا) ، وهذا يعد ضربا للديمقراطية التشاركية وإقصاء “ممنهج” للشعب الذي سار “مفعولا به” بدل أن يكون طرفا “فاعلا” مساهما في صنع القرارات ومنتجا للسياسات الكبرى وموجها لها ومتفاعلا معها …

كاتب رأي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي بالمحمدية، باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى