أقلام حرة

هل يمكن إنقاذ العربية في ظل الفساد و الاستبداد ؟

isjc

الصادق بنعلال

جميل أن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصاف 18 ديسمبر من كل سنة، و أن نخصص برهة زمنية نستحضر فيها عظمة هذه اللغة، و خصائصها النوعية الاستثنائية، عبر أنشطة ثقافية تعليمية تستجلي عناصر قوتها و معالم قدرتها، على اجتراح أبجديات البوح الإنساني بالغ الامتداد .. لكن الأجمل من ذلك هو اتخاذ هذا اليوم حدثا مفصليا للتعاطي مع راهن هذه اللغة التي تشهد تراجعا مخيفا في مشهد العلامات التواصلية الكونية.

و من البديهي القول إن الوضعية الدراماتيكية للغة الضاد ليست وليدة اليوم، إذ منذ مستهل القرن التاسع عشر و مرحلة ” النهضة ” العربية الحديثة، و المعنيون بالشأن الثقافي العربي يدقون ناقوس الخطر، و يُنبهون إلى المصير الكارثي الذي ينتظر العربية. و ما من شك في أن جهودا مضنية بذلها الغيورون على شكل معاجم و مجامع و مؤلفات و مناظرات و ندوات قومية و قطرية، للنهوض بها في سياق حضاري دولي غير مشجع، إلا أنها جهود شبه فردية لا تندرج في مشروع قومي شامل، مما جعلها عرضة للتلاشي و الضياع.

و الواقع الذي لا يرتفع أن مكانة أي لغة من مكانة أهلها ، فكيفما كنتم تكون لغتكم ! و يقيننا شبه الأكيد أن ماضي العربية المشرق لن يشفع لها في الحاضر الكئيب، و دفاعنا العاطفي الوجداني عنها لن يمنعها من الانهيار، أمام مد لغات الدول الرائدة في مجال السياسة و الاقتصاد و العلوم، خاصة في ظل العولمة الكاسحة  وهيمنة و سائل التواصل التكنولوجي بالغة الإغراء و الجاذبية.

إن ما يمكن أن يحد من سرعة غرق السفينة العربية، و ربما إنقاذها هو عامل واحد لا غير، الاستعداد الراجح لتقوية الذات العربية عبر بناء تجربة سياسية قومية، تستلهم بلورة دول قطرية حديثة تدين بالولاء للقيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا، و الباقي تفاصيل.

لا يمكن أن تنهض لغة أمة غارقة في الفساد و الاستبداد، و الحراب الداخلي، و تجويف الحياة المجتمعية من قواها الحية، لا يمكن أن تنهض هذه اللغة في ظل التبعية المطلقة للقوى الكبرى، و الارتماء في أحضان الليبرالية الدولية المتوحشة.

لو افترضنا كيانا عربيا ” غامر ” بإقامة نظام سياسي مدني  حديث، حيث الاحتكام فيها يكون للمؤسسات، و الفصل بين السلطات، و تنظيم استحقاقات دورية حرة و نزيهة، و اجتراح قوانين تضمن الحرية و المساواة و العدل و الكرامة، و بلورة مؤسسات تعليمية راقية و مستقلة عن النزعات الأيديولوجية و السياسية الضيقة، و تستند إلى المنجز الحضاري الإنساني، مع الاعتزاز بمقومات الثقافة العربية الرائدة .. لنهضت اللغة العربية من سباتها، و لطرحت عنها غبار الإهمال و الاحتقار.

إن الديمقراطية تسعى من جملة ما تسعى إليه، إلى بناء مُواطن حر يعتز بهويته و يذوب في حب وطنيته، و ينفتح على الحضارات الأخرى بثقة و أريحية، فينمو الاقتصاد و يترعرع الفكر و تُزهر حقول الإبداع العلمي و التكنولوجي و الفني، و في هذا الساق التنموي المعزز بتخطيط استراتيجي هادف، يمكن للاجتهادات اللسانية الدقيقة و الأبحاث اللغوية المحكمة أن تجد آذانا صاغية و تفاعلا منتجا.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى