كتاب السفير

لغات التدريس .. ثرثرة مغربية عقيمة

isjc

*  الصادق بنعلال

بعيدا عن الثرثرة المغربية حول “موضوع” لغات تدريس العلوم في مؤسساتنا التعليمية ، و تجنبا لأي اصطفاف أيديولوجي أو سياسيوي ضيق ، نؤكد أن لغة الضاد لم تشك طيلة مراحل تاريخ الحضارة العربية المشرق من عجز أو انحسار في القدرة على التعبير عن آمال و أحلام و إبداعات الأفراد و الجماعات. صحيح تعد الإنجليزية راهنا لغة العلوم و التكنولوجيا و الإنتاج الثقافي الكوني، لكن إشعاع لغة شكسبير لا يعود إلى ضعف بنيوي في اللسان العربي ” المبين “، بقدر ما يعود إلى حالة القابلية للتلاشي و الانهيار العربي غير المسبوق. و ليت الذين يملؤون الدنيا و يشغلون الناس  بمحدودية العربية عن مواكبة التطور العلمي عرفوا بحياديتهم و موضوعيتهم، و هم يتعاطون مع قضايا الأمة العربية سياسيا و ثقافيا و دينيا !

و ما من شك في أن المعنيين بالشأن اللغوي من المثقفين العرب لم يتوانوا ( منذ القرن التاسع عشر ) عن إثارة الانتباه للمكانة المحورية التي تحتلها اللغة العربية في الكيان الحضاري العربي ، و الدور الذي يمكن أن تطلع به في مضمار النهوض التنموي الشامل. و من تحصيل الحاصل التذكير بأن لغة الضاد واجهت ألوانا من المحن بالغة الخطورة ، و في أكثر من محطة في مسيرة العصر العربي ” الحديث ” ، أقلها الحصار الذي ضرب عليها أثناء الاستعمار الأجنبي للقبائل / الأقطار العربية ، و ثقل اللهجات المحلية و مواجهة الامتداد الكاسح للغات الأجنبية ، مما حدا بالمؤسسات الرسمية و الأهلية المعنية بالقضية اللغوية، و بمعية عدد غير قليل من الباحثين و علماء اللغة المجتهدين ، إلى المساهمة الجادة في بلورة، و اجتراح حلول كفيلة بإنقاذ العربية من مآل الانقراض.

بيد أن الإشكالات العصيبة التي  تواجهها لغتنا القومية راهنا أكثر ضراوة ، بفعل تحديات الثورة الرقمية و الانفجار المعلوماتي ، و وسائل التواصل الاجتماعي الأقوى انتشارا و هيمنة على الساحة الدولية ، مما يستدعي تعاطيا علميا مختلفا عما عهدناه في الأطروحات و الأبحاث اللغوية المألوفة . و بنظرة خاطفة إلى مضامين منصات / مواقع التواصل الاجتماعي القريبة  إلى انشغالات الشباب العربي ، و ما تحفل به من رسائل سوسيوثقافية مخصوصة ، نستنتج بيسر حزمة من الملاحظات بالغة الوقع على حال و مآل العربية ، أهمها الاستناد إلى الحرف اللاتيني ، و الاستئناس بالأرقام و الرموز و ” التراكيب ” اللغوية المختزلة و القصيرة جدا ، أثناء عمليات ” التواصل ” و تعميم البلاغات المحملة بشتى الدلالات !

و معلوم أن بعض المواقع الاجتماعية الأكثر قربا من المهتمين بقضايا السياسة و الفكر ، مثل توتير تفرض على المستعملين عددا محدودا جدا من المفردات للتعبير عن المواقف و الآراء ، كما أن ظاهرة الوسم / الهاشتاغ  ” تلزم ” المعنيين بأمر التواصل الافتراضي بقدر موغل في الاختصار ، و التعبير عن مجموعة من الأفكار المتضاربة ، و التصورات الممتدة عبر “جمل” مختزلة إلى أبعد الحدود، مما يستوجب على الباحثين اللغويين و اللسانيين عموما ، إعادة النظر في مقارباتهم العلمية لهذا المنجز التواصلي الجديد . إن رهان البحث اللغوي الحاضر لم يعد مجرد مواكبة مستجدات  النظريات و المدارس و المفاهيم اللسانية العالمية، بل إنه في حاجة ماسة إلى استكناه مستلزمات طفرة التكنولوجيا الافتراضية ، مما يعني من جملة ما يعني ، أن مهمة اللغويين العرب أضحت بالغة التعقيد و التشابك ، الشيء الذي يدعو و بإلحاح إلى تضافر جهود كل الغيورين على اللغة العربية ؛ من مراكز البحوث و المجامع اللغوية و المنابر و المؤسسات الرسمية و الشعبية، لتدشين انطلاقة جديدة نوعية و مثيرة للتعاطي مع تمفصلات اللغة العربية، عبر تحليل موضوعي ملموس لواقع ملموس ، لحماية الهوية الثقافية  و الأمن القومي ، بعيدا عن أي احتفاء وجداني ضيق ، غير مدرك لمخاطر قد تقود الأمة العربية نحو ” المجهول ” !

 * باحث مغربي في قضايا الفكر و الأدب 

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام في الصميم ، بارك الله فيكم يا أستاذنا الفاضل وجزاكم كل خير وأحسن إليكم، ليت الأمة تعي بهذه الحقائق، فيسهل عليها إسناد الأمور إلى أهلها.
    لكن كما قال علي رضي الله عنه: لا رأي لمن لايطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى