أقلام حرة

شركة “الديبناج” و شرطة مرور الدار البيضاء: كفوا عن البلطجة

isjc

* يسين العمري

توطئة لا بدّ منها:

ابتُلي هذه الأيام المواطنون البيضاويون، و غير البيضاويين من قاطني العاصمة الاقتصادية، بحملة سافرة شرسة و غير قانونية بالبتّ و المطلق، و الجمع و المفرّق، تقودها عصابة مكوّنة من عنصرين هما شركة “الديبناج” و المحجز البلدي، و شريك للأسف هو شرطة المرور في الدّار البيضاء.

يقول المثل “إذا كان ربّ البيت للدُّفِّ ضارباً فشيمة أهل البيت الرّقص”، و يقول مثل آخر “حاميها حراميها”، و هذين المثلين إنّما ينطبقان أشدّما انطباق على شركة “الديبناج” “Dépannage” التي تمارس الإثراء بلا سبب و تمارس الفضول، بل اللصوصية على جيوب المواطنين الذين يشتكون أصلاً من خواء و فراغ الجيوب. و لا يقلّ عنه لصوصية “مُشرملُو الجيوب” بالمحجز البلدي للسيارات و الدّرّاجات النارية بالحي الحسني، إضافة إلى دور الشريك و أحيانا المساهم و هو كما أسلفت “شرطة المرور” بالدّار البيضاء. فكيف ذلك؟

أولا: مخالفة التوقّف غير القانوني: ما محلّ شركة “الديبناج” من الإعراب؟ من أنتم؟

ننطلق من مسلّمة أو بداهة في القانون، و هي أنّ المخالفة المرتكبة في حق الدّولة، صغيرة أو كبيرة، في المرور و غيره، يكون جزاءها دفع غرامة أو أداء ذعيرة للدّولة، و هذا أمر لا نقاش فيه، ربّما يكون هناك بعض العتاب، فمثلاً لنفترض سائق “درّاجة نارية أو سيارة” اضطرّته ظروف ما للتّوقّف لبضع دقائق لقضاءغرض ما إداري مستعجل أو غيره، لمجرّد خمس دقائق، و نحن نعلم ضيق الشوارع و حالتها المزرية و البئيسة في الدّار البيضاء، و قد يكون ذلك السائق ليس ابن المدينة أصلا و لا يعرفها، و ليس هناك ما يدلّ على أنّ الوقوف في ذلك المكان ممنوع، أو جهلاً منه بالقواعد لحداثة عهده بالسياقة… الخ كان على المشرّع مراعاة هكذا حالات إنسانية. و قد استدرك فعلاً المشرّع هذه الهفوة، من خلال مصادقة الحكومة، خلال اشغال اجتماعها المنعقد يوم الخميس 09 يوليوز 2015، على مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 05-52 المتعلق بمدونة السير، و كان المشروع الذي تقدم به محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب لدى وزير التجهيز والنقل المكلف بالنقل حينئذ، يهدف إلى ملاءمة أحكام مدونة السير على الطرق مع ما أبانت عنه الممارسة من نقص أو خلل يتطلب التصحيح.

و ينص ذلك المشروع الذي صادقت عليه الحكومة و أصبح قانوناً على إلغاء عقوبة الإيداع بالمحجز لمدة 24 ساعة في حالة ارتكاب مخالفة التوقف غير القانوني أو الخطير مع غياب السائق، أو في حال رفضه الامتثال، وجعلها مرتبطة بإنهاء المخالفة مع أداء الغرامة.

ممّا يدفع للتّساؤل: لماذا إذاً يتمّ حجز درجات الناس و عرباتهم خلافاً للقانون؟ و الأدهى و الأنكى و الأمرّ من طرف شركة خاصّة؟ من أعطاها الحقّ؟ ما هي صفتها القانونية؟ المخالف عليه دفع الغرامة لجهاز شرطة المرور الذي يمثّل الدّولة في هذه النازلة، غير ذلك فهو سرقة لجيوب النّاس جهارا نهارا عيانا بينا… لماذا بحقّ الجحيم أؤدّي كمواطن 250 درهماً عن السيارة و 200 درهم للدّرّاجة النارية لشركة خاصّة عن ارتكاب مخالفة في حقّ الدّولة؟ هل يفترض أن يكون المواطن كلّ يوم حاملاً لذلك المبلغ؟ و من المواطنين من لا يملك حتى 10 دراهم ليعبّئ الغازوال…. إنّه العبث و السّرقة و نشل جيوب هي أصلاً مثقوبة. و هو إثراء غير قانوني و غير شرعي لأصحاب شركات يرقدون على الملايير…

ثانيا: المحجز البلدي الحي الحسني: “التشرميل بالكاراميل”:

ما أن يستفيق المواطن المسروقة سيارته أو دراجته من خبر الحجز على مركبته، حتّى تبدأ رحلة “المعاناة”، فهو مطالب بالذهاب إمّا إلى مصلحة المخالفات بمقر شرطة المرور التّابع لها مكان احتجاز مركبته، أو إلى المحجز البلدي لاستيلام أوراق المركبة إن بقيت هناك، و طبعاً التنقّل في مدينة مثل الدّار البيضاء كارثة عظمى، و الطّاكسيات صغيرها و كبيرها “دايرين ما بغاو”، و من يدفع الثمن غاليا هو المواطن المقهور، في كلّ الحالات.

المهمّ، و أعتبر نفسي شاهد عيان، في المحجز البلدي بالحي الحسني، تجد كلّ أصناف الوقاحات و الابتزاز، بدءً من البوّاب إلى كلّ مسؤول هناك، فمن يحرسون المكان، هم مجموعة من الناس الأمّيين، العدوانيين، ثم المشرملين و المقرقبين، لا يتكلّمون إلا لغة الشّارع، و لا يتعاملون إلا معاملة الأجلاف، لا يفرقون بين الناس، كلّهم يريد “التدويرة” و كلّهم متجهّم، و الويل لمن ينبس ببنت شفة، يا ساتر يا ربّ، إنهم متحفّزون و مُتأهّبون للفتك بأيّ كائن حيّ، في أيّة لحظة. و مرّة أخرى لا يملك المواطن المسكين المغلوب على أمره، المفجوع في مركبته و ماله، إلّا أن “يُسلّك”، و يقبل بمعاملة سيئة، لأنّ مخاطبه بعيد عن التّحضّر و الرّقي و التّمدّن بمفهوم ابن خلدون، و رفاعة الطّهطاوي، و الكواكبي، و أحمد لطفي السيد و غيرهم كثير. و لعلّ هذا من مخلّفات الهجرة القروية التي جعلت من مدينة عملاقة مثل الدّار البيضاء مجرّد قرية كبيرة مع كامل الأسف، و مع كامل الاحترام و التقدير لأهل البوادي الكرام النزيهين، الذين نكنّ لهم كلّ الاحترام و التقدير.

و عندما تتخطّى أولئك الحرّاس بحثاً عن إنسان يختلف عنهم في التواصل و الأدب و الثقافة و لو بمقدار جزيئة ذرّة، لا تجد، فالمكلّفون بالصندوق لا يحفظون سوى لفظ “خلّص”، دون الاستماع لأيّ شيء، و لا حتى لكلمة “السلام عليكم”.

ثالثا: شرطة المرور بالدار البيضاء: كفّوا عن البلطجة، اللي فينا يكفينا:

في الحقيقة، لم و لا و لن أجد لسلوك شرطة المرور في عدم تطبيق القانون المشار إليه علاه أي تفسير، سوى أنّه نوع من أنواع “البلطجة” و “الإرهاب” للمواطنين، فمن ارتكب مخالفة عليه دفع الغرامة و تحرير المحضر و انتهى الأمر، و لسنا بوارد مناقشة دفع الغرامة، فمن يرتكب المخالفة ملزم بالأداء، أمر لا نقاش و لاجدال فيه؟ لماذا إقحام شركة خاصّة و منحها المبرّر لملأ جيوبها التي تكاد تنفجر من الثّراء الفاحش، على حساب فئات متوسطة و فقيرة؟

فهل هذا نوع من استغلال جهل النّاس بالقانون؟ أم طريقة لملأ الصناديق؟ هل هي سلوكات فردية مَرَضِيّة تسيء لسمعة جهاز شرطة المرور بأكمله و تجعل عدد النّاقمين عليه يتفاقم دقيقة بعد أخرى و عدد من يدعون عليهم بالويل و الثُّبور يتضاعف ثانية تلو أخرى؟ أم ماذا بالضبط؟ هل القانون لسنة 2015 تغيّر و النّاس لا تدري؟ لا أجد أيّ مبرّر و لا أي تفسير لهذا السّلوك.

العجيب هو أنّ شرطة المرور بالدّار البيضاء كأفراد في معظمهم بمختلف الرّتب، أكاد أجزم أنهم لا يفقهون شيئا في علم التواصل العام أو الإداري، و هذا أمر أتمنّى من المسؤولين أن يتداركوه في المستقبل القريب و المتوسط، بإقامة دورات تدريبية و تكوينية، و سيسعدني أن أكون أحد المساهمين بالمجّان في ذلك، بحكم خبرتي الأكاديمية و العملية في ميدان الصحافة و التواصل، حتى تترقّى لغة الحوار و أخلاقيات التواصل و أدب الكلام، حتى يُرحم المواطن من بعض التصرفات و الكلمات الصّادرة عن بعضهم، و التي هي فعلا مهينة، و تملئها نبرة التّسلّط و الاحتقار للآخر، في وقت يحرص فيه ملك البلاد شخصيا تقريباً في كلّ خطاباته على التوجيه الواضح و الصريح و الصارم بضرورة التعامل مع المواطن المغربي بما يليق بكرامته.

يكفي أن أذكر أنّ أحدهم و هو ذو رتبة عالية، عندما توجّهت إليه ذات يوم لأداء مخالفة مرورية، و أنا لا زلت أحمل نسخ أوراق مركبتي، و قبل أن يدعني أستفسره عن نوعية المخالفة و مبلغ الغرامة، قال لي “لقد دخلت السيستيم”، و عليك أداء مبلغ كذا و كذا، فقلت له يا رجل لن أستجديك، فاستجداء غير الله في الدعاء مسبّة في حق الرّجال، و لكن على الأقل احترم عقلي، كيف دخلت المخالفة للنظام المعلوماتي، و أنا لا زلت أحمل نسخ أوراق المركبة في يدي؟ فهل السيستيم عندكم يركبه “شمهروش”. فبُهت و أنهى المقابلة بابتسامة صفراء باهتة. و قبل أن ألتقي “سعادته” قال لي أحدهم من السماسرة في الباب قبل دخول المبني: “شوف مع الشاف و يكون خير…”، و اللبيب بالإشارة يفهم. يريدني المغفّل أن أعالج مخالفة بارتكاب جريمة.

خاتمة:

ماذا عسى المواطن المسكين أمام الظّلم الذي يتعرّض له سوى القول “حسبنا الله و نعم الوكيل”، و “اللهم إنّ هذا منكر”، و “لدى ربّكم تختصمون”.

ملحوظة لا علاقة لها نهائيا بالمقال:

لا حديث مؤخرا في وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن من يسمّيهما الإعلام “فنّانتين”، و الفنّ طبعاً منهم براء، إذ هم إلى العفن أقرب، رصدتهما عدسة الكاميرا في حالة شذوذ جنسي “سحاق” واضح، في حفلة عري و رقص خليع، و سقوط أخلاقي مدوّي، و قد حاول بعضهم القول بأنها حرية فردية… نعم هي حرية ممكن أن أتّفق، لكنها ما دامت في السّر، لا يراهما إلا من خلقهما، و هو وحده من سيحاسبهما. أمّا ممارسة الفعل في العلن بكلّ وقاحة، و المجاهرة بها، هنا لا تصبح حرية لأنها آذت حريات الآخرين، و هنا نكون أمام الجرأة على المجتمع و الأخلاق و القانون. و على من يطالب بالتسامح مع مثل هذه الحالات أن يقرأ جيدا عن مفهوم و قيمة التسامح، فجون لوك و جان جاك روسو في رسالتيهما عن التسامح و مع كلّ المعاني الرائعة التي حملتها، إلا أنهما لم يعتبرا معا أن التسامح شيك على بياض، فروسو طالبا مثلا بإعدام من لا يؤمن بالذّات الإلهية أو يسيء لها.

و لا أدري ما السّبب لعدم تفعيل موادّ القانون الجنائي الخاصّة بالإخلال بالحياء العلني و الشذوذ الجنسي و السكر العلني البيّن، الذي يطبّق بصرامة على “المزاليط”، في حين أنّ مثل من ذكرت أعلاه، تقدّمهما لنا بعض منابر “صحافة إبليس” كنجمتين لامعتين، و فنّانتين مقتدرتين، و تدخلان بيوتنا غصبا عنّا من خلال الشاشة و الراديو و المواقع الالكترونية، و من بنات المغرب و نسائه من تعتبرهما قدوة. و هذا أمر يطرح تساؤلات كثيرة بخصوص نشر ثقافة “التفاهة و السفه و السفالة”، التي آخر ضحاياها صديقنا الأسمراني التي هربت عنه اليتيمة التي تزوّجها مؤخرا في حفل أسطوري حضره من حضره ممّن يفرضهم علينا الإعلام كفنانين، و المسكين تركته اليتيمة يبكي و ينوح حتى أصبح عرضة للإصابة بمرض “انفلونزا الحلاليف”.

• باحث في القانون و الإعلام

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى