كتاب السفير

مقترحات العدل والإحسان

isjc

حفيظ زرزان

ألف الأستاذ عبد السلام ياسين كتاب المنهاج النبوي سنة 1981، لب تصور وسير الجماعة، نشر حلقات في أعداد مجلة الجماعة، قبل أن يصدر في مؤلف واحد، والذي حرص رحمه الله أن لا يبقى حروفا أو ترفا فكريا ونظريا حالما، بل نزل به إلى ميدان المدافعة والممارسة، ولعله تجسده بتأسيسه لجماعة العدل والإحسان برجالاتها ومؤسساتها، التي تمثله واقعا ولازالت في سيرها وتربيتها وتنظيمها وتطورها المطرد الذي لا يخفى على عين المتابعين والمراقبين بإنصاف، ستسعى لتحقيق بقية التطلعات الوطنية. والتي أكدت “وأعني الجماعة” أن الشق التنظيمي في الكتاب وفي السير والتمثل العملي فاته الركب ولم تطبق منه إلا القليل.

يعرض الكاتب رحمه الله ويقترح بوضوح أفكاره وينشرها للعموم من خلال مقدمات، وأربعة فصول هي:

 1-اقتحام العقبة إلى الله

 2-تجديد الدين والإيمان

3—التنظيم

4–الخصال العشر وشعب الإيمان.

تتوزع كلها على ما يزيد عن 420 صفحة، بما يتجاوز مليون كلمة. في هذه الجمل يخاطب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله حملة المشروع المجتمعي للجماعة المرشحين لبناء الجماعة إحكاما لها على الشريعة (وسطر معي أخي القارئ على كلمة بناء-الجماعة- على الشريعة في شقيها بتوازن وتواز تربية وتنظيما)، واندماجا كليا عاطفيا وحركيا، صحبة ومحبة، شورى ونصيحة، طاعة وضبطا وانضباطا (وهو الذي كان ولازال يميز الجماعة، إذا تابعنا بلاغاتها التي تنقل الأجواء الربانية التي تنعقد فيها مواعيدها على مختلف مستوياتها وتنوعاتها). الجماعة التي يؤكد ويكرر ويلح على بناءها بضرورة تنظيم الجهود وذوبانها في عمل قلبي حبي كلي وطني جامع، ثم السعي لإقامة العدل وتوحيد المسلمين، ثم يعرض مختلف المعوقات التي تحول دون ذلك، وقد نتعرض في الآتي من الحلقات لكيفية تأدية المهمات، والمحجة اللاحبة…

1-      اقتحام العقبة إلى الله:

عقبات:

أول ما افتتح به الأستاذ عبد السلام ياسين فصل الاقتحام، هي فقرة “عقبات”. وقبل دخول سطورها، نلاحظ من خلال تصفح الكتاب بحرص وتدقيق، في الكلمات والمصطلحات والمفاهيم، أن أسلوب الرجل ممنهج ومنظم، وأن هناك سلاسة وانسيابية وارتباطا بين كل سطر وفقرة وفصل داخل الكتاب، وخارجه بين كل مكتوباته، وأن بعضها يفتل في بعض. وكعادته في كل مؤلفاته، وسيرته المعلنة المبثوثة، متمسكا باتباع كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بدأ الفقرة “عقبات” بتأصيل مفهوم اقتحام العقبة انطلاقا من سورة البلد، ثم يوضح كيف أن الاقتحام يفضي بالفرد للانخراط في جماعة المومنين بتخلصه من الشح ليتواصى بالصبر وبالمرحمة (أول ما يتربى عليه عضو الجماعة نكرات الذات وذبح أنانيته، والصبر مع ووسط المومنين). هذا الانخراط يتميز عن الانتماء السياسي الفكري، بأنه اندماج كلي كامل عاطفي وحركي في جسم الجماعة يمتد للحياة الأبدية. والتربية والتنظيم كما تجسدهما الجماعة في سيرها، عنده مندمجان ملتصقان لا ينفصلان دائما:” مصير الإنسان الأخروي بعد أن يسلم وينضم للجماعة مرتبط بمصير الجهاد الجماعي”، ليؤكد أن فقه المنهاج هو ثمرة هذا الزمان والمكان، يتعرض لكليات التربية وكليات الجهاد لإحياء أمة.

 ثم يوضح أن الناس يختلفون في تحملهم وقابليتهم للتربية والتنظيم، وأنهم مختلفون في نضج الرجولة والإيمان، حتى ينتقل ويصل أحدهم أن يفهم أن “الدنيا ما خلقت لراحة المومنين إنما هي جهاد شاق وعقبة تقتحم، والمجاهد من كان يومه أفضل من أمسه مثابرة ومصابرة ومن ينام على أفضل العزائم. ويستشهد بالإمام حسن البنا رحمه الله الذي يورده كثيرا ضمن طيات الكتاب.

وقبل أن يعرض أهم العقبات، يقول رحمه الله: “يجب أن يكون الهم الأول لكل مؤمن ومؤمنة نيل رضى الله. كيف ذلك؟

داخل “بوتقة” التربية والتنظيم: أولا في سعي العبد للحق بجهاد العلم والعمل، يرافقه ما يجب أن يحدوه ويلازمه، الشوق الدائم الهائم الخادم اقتحاما للعقبة إلى الله.

أما “المعيقات” التي يجب تجاوزها، ولكل منها بعد نفسي واجتماعي تنظيمي، فيضيف:

1-     الذهنية الرعوية: تنتظر أن يفعل بها.

2-     الأنانية المستعلية أو المتمتعة: تعوق دون اقتحام العقبة إما امتلاء أو عن طلب المزيد. (التحذير من الأنانيات بنوعيها)

3-     العادة الجارفة للمجتمعات: تيار التبعية للوضع. (حديث الإمعة)

فهي إذن حسب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله ثلاث تغييرات جوهرية وأساسية كبرى وعميقة، من الواجب على حملة المشروع المجتمعي إحداثها بالتربية والتنظيم (لربما تجسد الجماعة بوجودها تجاوزها إلى حد كبير لهذه العقبات، وإلا لما وجدت، ولازالت في جهاد واقتحام)، في أنفسهم وفي المجتمع، وطبعا دون هذا، اضطهاد وابتلاء (نتابع ما تتعرض له الجماعة)، وجهل، وحضارة مادية منافسة.

فلهذا يعيد رحمه الله الحث على ضرورة حساب الواقع، ودوام التربية، وتنظيم الصف القادر على إمساك الواقع المرذول، بقوة وحكمة. ثم يعدد بقية العقبات الجزئية أمام حملة المشروع (للمهتم العودة للكتاب لمزيد من التفصيل).

مهمات حملة المشروع المجتمعي لجماعة العدل والإحسان:

هنا في بداية هذه السطور من هذا العنوان، يزيد الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله شرح مفهوم “اقتحام العقبة” كعنوان للفصل. فاقتحام العقبة بالنسبة لحملة المشروع عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، على مستوى الفرد جهاد على الطاعة، وجماعيا مع المومنين المتواصين المتراحمين لإقامة الدين، ثم يتجلى مع حملة المشروع المنظمين: جهادا تربويا وتنظيميا وميدانيا وماليا وتدافعيا وسياسيا حتى يقام العدل (المتابع لعمل الدائرة السياسية ومواقفها يقف على هذا).

ولهذا، ومادام الأمر فيه نزول للساحة، ومزاحمة ومخالطة ومكايدة ومخاتلة ومواجهة بما يقتضيه كل حال، فكان ولابد من حاجة لتصحيح الاتجاه في كل مرة حسب تعبير الأستاذ عبد السلام ياسين دائما (ولعل المتابع لبلاغات مجلس الشورى ومختلف مؤسسات الجماعة يجد هذا، ذلك التأكيد الدائم على الأساس التربوي والروحي، و استحضار الآخرة، وأن المراد وجه الله وأن عليه مدار الأمر والسير)، لكي لا يفضي (أي ذلك النزول بما يقتضيه) بحملة المشروع إلى مواطن الردى، والردى لغة هو الموت.

ومنه فمن الآكد أن يكون كل أمر حملة المشروع استجابة لله ورسوله وموافقة، وما يتفرع عنهما من اجتهاد يؤطره عقل عالم بإرادة جهادية.

فيرسم أمام حملة المشروع الهدف الأول وهو تأليف الجماعة المؤمنة المحسنة قطريا (قطريا لغة تعني وطنيا) –يتجسد ذلك في جماعة العدل والإحسان-. ثم يضع التأصيل الشرعي للأمر من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن حديثه، والسياق التاريخي، والأسباب الموضوعية لهذا الاختيار، ليختم هذا المطلب بضرورة أن يتربى جند الله فوق مستوى الانتماء التعصبي، وأن يكونوا مع الحق لا مع الهوى، والحق حسب الرجل هو القيام بتجميع طاقات المسلمين لا بتبديدها، واتباع الصواب.

يضع الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله الأهداف المتوخاة أمام حملة المشروع، وهي بعد رص الجماعة، إقامة الدولة الوطنية العادلة (الجماعة هنا تقترح الميثاق الوطني مع جميع الفرقاء والشرفاء، وتدعو الجميع للحوار ولا تقصي أحدا ولا تملي شروطا، ولا تزعم أنها يمكن لوحدها أن تتصدى للمعضلات والطوام وركام السنوات من الفساد والاستبداد، بل أن تساهم كغيرها، لأن لها مشروعا مجتمعيا وإنسانيا أضخم). وبعد العمل الوطني، السعي لتوحيد المسلمين بعد ذلك، بالأشكال المتاحة في العصر، واستعمل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مفهوم “فدرالية”. ونرى نحن اليوم كيف يستعمل الاشتراكيون مفهوم “الأممية” وآخرون بمؤتمراتهم وثقلهم على مستوى رقعة العالم. ثم يرشح جند الله لتحقيق الموعود النبوي “الخلافة” على المستوى البعيد الذي يترشح له المسلمون. وتقول الجماعة كنموذج حديث ومتقدم على شاكلة الاتحاد الأوربي،  في ظل طبعا القوى الدولية والتكتلات والتحالفات الإقليمية، لكي يكون للمسلمين صوت ووزن أمميا.

ملحوظة: قد يجد القارئ الكريم بعض الصعوبات في الفهم، ولهذا يجدني دائما أحيل على جماعة العدل والإحسان بما تجسده وتحاوله من تطبيق عملي للمنهاج النبوي.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى