كتاب السفير

الشُّعُوبُ العربيةُ مُصِرّةٌ على التغييرِ !

isjc

* الصادق بنعلال

إذا كانتِ الأنظمةُ العربيةُ التي اجتاحتْها الرياحُ الأولى للربيعِ الديمقراطي منذ 2011 ، قد تمكنتْ من الخروج ” منتصرةً ” على شعوبها ، عبر احتواءِ المطالبِ المشروعة بالانتقال الديمقراطي ، و إجهاض أحلام الشباب في إسقاط الفساد و الاستبداد ، عسى أن يكون الحراكُ الجزائري و السوداني الراهنُ مُنطلقا لتجسيد واقعِ جديد ، يقطع مع رموز النظام البائد ، و يؤسس لتجربة سياسية واعدة !

1 –  لَمْ يخطرْ ببالِ كبارِ المُحللين السياسيين العربِ و الأجانبِ أنْ ينطلقَ الشعبُ العربي في اتجاه إسقاط أنظمتِه المهترئة ، بهذا الزخمِ و في هذه المرحلة التاريخية بالذات . خاصة و أن كثيرا من ” المختصين ” في قضايا الأمة العربية قد وصلوا إلى شبه يقين ، مفاده أن الشارعَ العربي قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ، و أنه لا أمل في شعوب واجهت ألوانا من الهزائم العسكرية و الحضارية و هي صاغرة . إلا أن حادث محمد البوعزيزي ، ذلك الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على تعرضه للمهانة القاتلة من قبل نظام بوليسي بغيض ، كان بمثابة تلك ” النقطة التي أفاضت الكأس ” . فانتشرت الشرارة لتعم مختلف الأقطار العربية التواقة إلى التغيير الجذري لواقع سوسيواقتصادي و سياسي متقادم  منتهي الصلاحية ، بغية معانقة القيم الإنسانية الكونية الداعية إلى الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحرية بمعناها النبيل . و غير خاف أن البلدان العربية – و منذ أن حصلت على ” استقلالها ” – لم تعمل من أجل الانضواء في كوكبة الدول الباحثة عن رفاهية شعوبها و خدمتها ، وجعلها ترقى في سلم التمدن و العصرنة  ، بل إنها اجتهدت و بشكل منقطع النظير في حرمان هذه الشعوب من أبسط عناصر العيش الكريم ،  تتساوى في ذلك الأنظمة الرئاسية و الملكية و الأميرية و الجمهورية مع اختلافات جانبية .. ما دامت تتقاسم نفس آليات الحكم الثابتة  : الاستبداد و الفساد و القمع الممنهج .. منذ الأيام الأولى لاستقلال الدول العربية امتدت أيدي الأسر الحاكمة نحو خيرات البلد تستغلها كيف و متى شاءت دون حسيب أو رقيب ، تاركة الشعوب تواجه مصيرها الحالك ، على اعتبار أنها منذورة لرسالة خالدة : ” تحرير فلسطين و إقامة الوحدة العربية ” إلى غير ذلك من الشعارات ” القوموية ” غير الصادقة . فلا النظام العربي حرر فلسطين و لا هو وحد العرب في أي شكل من أشكال الوحدة . و لم يتبق أمام الشعوب العربية سوى الانتفاضة أو الثورة لاسترجاع حقوقها المغتصبة ، من يد حكام هرموا و لم يتخلوا عن كراسي الحكم . 

 2 – إن أهم ما يجب إدراكه في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة ، هو أن جميع الشعوب العربية أضحت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن مصيرها بيدها ، و ليس بيد حكومات غير رشيدة لم تفلح سوى في تبديد المال العام و إضاعة فرص البناء الديمقراطي الفعال . و مصير الشعوب يعني من جملة ما يعني إقامة أنظمة سياسية عصرية و حضارية ، تتخذ من القانون المنطلق الأوحد لبناء حاضر و مستقبل بعيد عن القرارات الفردية  و نزوات  حكام في خريف العمر . لا مناص من الاستماع إلى نبض الشارع العربي الذي رسم منذ ثماني سنوات لوحات نضالية تطالب بالديمقراطية و الحكامة الجيدة و حرية التفكير و التعبير و إبداء الرأي ، و التوزيع العادل للثروة ووضع حد لاقتصاد الريع ، المتعارض و منطق العصر و التداول السلمي على السلطة المستندة إلى دستور يتناسب و مقتضيات القرن الواحد و العشرين ، حيث الفصل بين السلطات و الإعلام الحر، وتباري الأحزاب الوطنية الحقيقية حول برامج مجتمعية ملموسة في ضوء انتخابات نزيهة تلبي مطالب الشعوب العربية في الإقلاع الحضاري .

3 – و لعلنا في حاجة ملحة لما سبق و أن نادى به منذ السبعينيات من القرن العشرين محمد عابد الجابري الذي نستحضر الذكرى التاسعة لوفاته ، و الأمة العربية في أمس الحاجة إلى آرائه المتنورة و مواقفه الحكيمة أي : ” الكتلة التاريخية ” ، نعم ما أحونا كأمة عربية متجانسة جغرافيا و سياسيا و حضاريا ، إلى كتلة تاريخية متضامنة تشارك فيها كل الاتجاهات الأيديولوجية و السياسية و الدينية .. من أجل صياغة ميثاق جماعي بروح ديمقراطية بعيدة عن أي إقصاء أو استئصال ، فالوطن للجميع و ليس لفئة أو جماعة دون أخرى . و قد حدث شيء من ذلك إبان مواجهة الاستعمار الأجنبي ، ففي المغرب العربي على سبيل المثال لا الحصر ، زلزلت الأرض من تحت الاحتلال الفرنسي لما اجتمع المغاربة و الجزائريون و التونسيون على نفس الرؤى و الأهداف و الوسائل . فحري بالعرب الآن ، أن يعيدوا اللحمة إلى صفوفهم في هذه المرحلة المفصلية لإنقاذ وجودهم من التلاشي  !

 *  باحث مغربي في قضايا الفكر و السياسة 

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى