كتاب السفير

رسالة مفتوحة من مواطن إلى عامل إقليم الحوز “رشيد بنشيخي”

isjc

* ياسين مهما

في بداية سنة 2016 جاء إلى عمالة إقليم الحوز عامل إسمه “عمر التويمي” ، كان هذا العامل عاملا حقا، شهد له الجميع بالاستقامة والجدية والتواضع والتفاني والقيام بالواجب، كان لا يخاف في الحق لومة لائم ، لم يكن يسمع للوصوليين والمتزلفين وماسحي “الكابة” و “المرايقية” والصحافة “المرتزقة” ، لم يكن يسمح لهم بتوجيهه أو التأثير عليه، كان ينصت إلى نبض الشارع، وكان يحسن الإنصات وقراءة هذا النبض، أحبه المواطنون وكرهه الانتهازيون .

عامل غير نظرة المواطن اتجاه السلطة كان دوما يشعر بالحرج ويحمر وجهه من شدة الخجل عندما يناديه مواطن عادي ب”السيد العامل أو سيدي” فقد كان دائما يطلب من كل من التقى به مناداته ب”خويا” .

رحل “التويمي” كما رحل من كان قبله ، رحل وبقي الناس يترحمون عليه ويذكرونه بخير، ويقولون عنه “كان الله يعمرها دار”، وقتها كان سكان إقليم الحوز يتحدثون عن التويمي كما لو كانوا يتحدثون عن صديق أو قريب لهم .

رحل العامل عمر التويمي وبكى على رحيله الفقير قبل الغني والصغير والكبير و ترك آثارا تدل عليه وأكاد أجزم أن الحوزيين لم يحفظوا إسم عامل من العمال الذين تعاقبوا على هذا الإقليم، سوى إسم عمر التويمي أو سي عمر كما يحلو لهم مناداته، قد يبقي العامل عدة سنوات وإذا سألت أحد المواطنين عن إسمه يجيبك “لا أعرفه” لا يتذكر إسمه إلا المقربون والمنتفعون.

نقول هذا الكلام ونحن إذ نرحب بك السيد “رشيد بنشيخي” و نتمنى لك النجاح والتوفيق في مهمتك الجديدة كعامل على إقليم الحوز .

شخصيا تتبعث عملكم منذ سنوات وأنتم تتقلدون مهمة مدير مكتب “راديما” بمراكش ، بل وحضرت ضمن وفد إعلامي بمدينة مراكش للقاءات عقدتموها بمقر الوكالة وقد استفسرت عددا من الأصدقاء والزملاء من أبناء المدينة حينها، كيف ترون “”رشيد بنشيخي” ؟! ، فتفاجأت بأن جل من سألتهم أجمعوا على خصالكم وتفانيكم وقدرتكم على تتبع عدد من الملفات بذاكرة قوية (ما شاء الله)، إضافة إلى القدرة الكبيرة على الانصات والاستماع.

لست هنا لأدافع عنكم ولا لأمدحكم، فما تلك بمهمتي، ولكن الشيء بالشيء يذكر، كما أنه لا نريد أن نبخس الناس أشيائهم. زد على ذلك أنني نشرت في إحدى الجرائد الوطنية قبل أيام من الاستقبال الملكي لكم، خبر تعيينكم على رأس عمالة الحوز ، فتلقيت كما كبيرا من الرسائل والمكالمات من قبل الزملاء بمراكش يهنئون أبناء الحوز على تعيينكم عاملا بها ويجمعون على مقامكم الاعتباري. كل هذا جعلني أرسم لكم صورة جميلة في المخيال، لا أرجو أن يمحوها واقع الحال.

وإليكم بعض الرسائل التي أرجو أن تكون بداية لفهم بعض مفاصل الإقليم سنضع أمامك عدة ملفات لابد من فتحها ودراستها ومعالجتها والتصدي لها بكل قوة وشجاعة.

السيد العامل، إن إقليم الحوز يحتاج إلى نَفَسٍ جديد، وإلى “دينامو” يحرك عددا من الملفات الراكدة والحارقة التي جعلتها مجموعة من المصالح الخارجية في الرفوف.

السيد العامل، مجموعة من المنتخبين ورؤساء الجماعات في حاجة إلى إعادة “تدوير” أو “formatage” لطريقة تدبيرهم وتسييرهم، فمنهم المستكين، ومنهم الصامت، وفيهم الخجول، وفيهم الباحث عن مصلحته الشخصية، وفيهم الراغب في قضاء مآربه ،وفيهم من طمع في بطاقة الرميد رغم أنه رئيس جماعة غنية، وفيهم أيضا المشتغل بحس وطني وتنموي.

السيد العامل، نسبة الفقر بإقليم الحوز في مستويات قياسية، تحتاج إلى برامج تنموية وفق النموذج التنموي الجديد الذي يتطلع إليه عاهل البلاد، وذلك لن يتحقق بالإقليم ما لم يتم خلخلة البنية الذهنية للمنتخبين ومسؤولي القطاعات الخارجية، وأيضا مساءلة وتقييم التراكم المحقق سلبيا كان أو إيجابيا، لمعرفة مدى ملاءمته وفاعليته.

السيـــد الـــعــامــل إن المسؤولين الذين ستجتمع أو اجتمعت بهم في جلسات العمل من رجال سلطة ورؤساء مصالح ومسؤولين ومنتخبين، كل أولئك كانوا قبل مجيئك يتولون مناصب ومسؤوليات في الشأن المحلي، وفي ظلهم انتشر الفساد برا وجوا وبحرا، وفي ظلهم عم سوء التسيير والتدبير، لقد اكتوى بنار هذا الفساد المواطنون البسطاء، الفاسدون سيبقون فاسدين لأنهم ألفوا الفساد وألفهم، لذا وجب اقتلاعهم، إنهم يحبون السباحة في الماء الآسن يجيدون الأسلوب المعسل، سيعطونك من طرف اللسان حلاوة ويروغون عنك كما يروغ الثعلب الماكر،جلهم استحلى الكرسي الذي يجلس عليه،وصار خبيرا في استعمال كل الوسائل للحفاظ عليه، سيخفون عليك الملفات ذات الروائح النتنة لأنها أن هي ظهرت ستجرفهم ومن معهم ، سيقدم كل واحد منهم نفسه على أنه المصلح الذي أنجز وحقق وووو… .

السيد العامل سيقول لكم المسؤولون عن جميع القطاعات والمنتخبين أن كل شيء على ما يرام. ويقول لكم عامة الناس أن لا شيء في هذا الإقليم على ما يرام .

السيد العامل، سيتوافد على مكتبكم عدد من المنتخبين والأعيان و”المتملقين” الذين دأبوا على استمالة أي عامل حل بالإقليم بعدما يدسون له “السم” في “العسل”، ومن تم يبدأون في حياكة المؤامرات والدسائس والضربات تحت الحزام، لقضاء مآربهم.

السيد العامل، لن نخفيك سرا أن بمقر العمالة موظفون أكفاء ورؤساء أقسام وطنيون، وفيها أيضا موظفون ورؤساء أقسام ومصالح لا هم لهم سوى مراكمة الثروة والاغتناء الفاحش وتحويل الميزانيات إلى الجيوب بدل المشاريع والبرامج التنموية وعرقلة التنمية الحقيقية.

السيد العامل، نحيطكم علما، وقد لا يقال لكم ذلك، أن بعض المسؤولين بعمالة الحوز قابعون في تلك المكاتب والمسؤوليات منذ سنوات طويلة جدا، وخصوصا من الحاشية المحيطة بكل عامل حل بالمنطقة، بل إن بعضهم أضحى عالة على الإقليم.

السيد العامل، نرجو أن تعيد التدقيق في عدد من الصفقات والمشاريع، وأن تفتح كنانيش التحملات الخاصة بها، لمعرفة مدى مطابقة ما فيها مع الواقع، ونهمس في أذنك أنك سترى العجب العجاب.

السيد العامل، حبذا لو تفتح ملف مستودع حظيرة سيارات العمالة، وتدقق قليلا في فواتير الغازوال وقطع الغيار، وأقول لك بصريح العبارة: “ستصدمك المعطيات”.

السيد العامل، إقليم الحوز منكوب صحيا، ويحتاج إلى مقاربة جريئة لنفض الغبار عن المستشفى المحلي بتحناوت الذي أضحى عالة على الإقليم، في ظل تواضع خدماته.

السيد العامل نتمنى ونرجوا منكم القطيعة الكلية مع بعض الصحافة الفاسدة المرتزقة، المتملقة والمشجعة على الفساد .

السيد العامل إفتح تحقيقا جديا في المشاريع المتوقفة في الإقليم.

السيد العامل، ستجد ملفات حارقة فوق مكتبك كبطائق الإنعاش، رخص النقل المزدوج البطالة، الصحة، فك العزلة عن العالم القروي، حل ملفات السطو على الأراضي، مقالع الرمال.. وهي ملفات تحتاج إلى حلول عاجلة لا إلى وعود .

السيد العامل، لا مناص من النزول الميداني إلى كل جماعات الإقليم فمن رأى ليس كمن سمع، لترى الوجوه الشاحبة التي لم تعد تنتظر سوى أن تحمل على آلة حدباء، سترى بعضا من النساء والشيوخ والشباب ينشدون فقط كسرة خبز وكأس ماء وصحة وتعليم جيدان.

السيد العامل، نرجو أن تكون “أنت” قطيعة وفيصلا مع ممارسات دأب عليها بعض العمال قبلك -وليس جميعهم- ، والذين اصطفوا إلى جانب علية القوم وأثريائه، وتركوا الجمل بما حمل، فكانوا عرضة للنقد يشار إليهم بالبنان.

السيد العامل، هذا فقط غيض من فيض، وهناك ملفات أخرى كثيرة ، إنه إرث تقيل وملفات صعبة ومعقدة تنتظركم، ولا يسعنا إلا أن نقول لكم “الله يحسن عوانكم”. إن المهمة ليست سهلة ولكن على السي “رشيد بنشيخي” ليست بالصعبة ،نرجو ولا نتمنى، فالرجاء ممكن التحقق والتمني شيء لا يرجى تحققه، في تغيير إقليم الحوز من وضعه الحالي إلى وضع تنموي يشعر فيه أبناء الاقليم بعبير تنموية تشرق ، وسر على طريق سلفك .

واعلم السيد “رشيد بنشيخي” أن غدا لناظره لقريب، غدا سترحل ولابد أنك راحل، غدا لن ينفعك المنافقون ولا المتزلفون ولا المتملقون، غدا عندما ترحل ستنام نوما عميقا وأنت مرتاح الضمير، إقليم الحوز ينتظر بصماتك، أبصمه خير بصمة: بصمة عبارة عن حق ترده لكل مظلوم وعن بسمة تطبعها على شفتي كل حزين وعن خير تزرعه في قلب كل محروم، بصمة تجعل كل مواطن من ساكنة إقليم الحوز يردد بعد رحيلك: ” كان سي رشيد بنشيخي الله يعمرها دار”.

فنرجو من العلي القدير أن تكون لنا أيها العامل الجديد خير خلف لخير وأجمل سلف، وترد الاعتبار لإقليم الحوز وساكنته ، ولكم منا كل الدعاء بالتوفيق في هذه المهمة النبيلة والصعبة.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى