كتاب السفير

المغرب السياسي .. نخبة جديدة لمرحلة جديدة

isjc

* الصادق بنعلال

–  فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة : محمد السادس 29/7/19

–  تساهم الأحزاب في بناء الأنظمة الديمقراطية . وتتجلى وظائفها المتميزة في مسارات الانتقال نحوالديمقراطية، كما أنها يمكن أن تصبح ضامنا رئيسيا لتعميق وتقوية الديمقراطية نفسها: Jaime F. Cardenas Gracia – 2001

تقديم :

لن نمل من الحديث و إعادة الحديث عن المشهد السياسي المغربي ، الذي لا يعكس بحال من الأحوال تطلعات المواطنين و مطالبهم المشروعة في بناء دولة سياسية مدنية ، تضمن له العيش الكريم ، رغم أن بلدنا  يعد من الدول العربية القليلة التي تبنت، قبيل الاستقلال وبعده، التعددية الحزبية، مكوناً “بنيوياً” في الحياة  السياسية العامة ، لمواجهة مظاهر القصور التي ميّزت المعطى السياسي للدولة “الحديثة”، وبناء مشروع مجتمعي لمغرب “الغد” . و ما من شك في أن  الساحة السياسية الوطنية شهدت فعالية حزبية ، بالغة الأهمية في العقود الثلاثة بعد الاستقلال ، تعلق الأمر بالمساهمة الملموسة في نشر الثقافة السياسية الرفيعة ، وتأهيل المواطنين وتأطيرهم وتوعيتهم بواقعهم والعالم المحيط بهم ، و الدفاع عن الطبقات الشعبية المحرومة ، والوقوف أمام أصحاب القرار، ومواجهتهم بقدر كبير من النضال والتضحية ونكران الذات . 

دواعي ترهل الهيئات السياسية المغربية :

وكان من المرتقب أن يمهد هذا السبق “الاستثنائي” لإرساء تجربة ديمقراطية عربية نوعية، قد تتخذ نموذجاً يحتذى في باقي الأقطار العربية، ومثالاً يعمم من أجل بلورة وطن عربي موحد، يمتح مفرداته الوجودية من سجل الديمقراطية الكونية والقيم الإنسانية المشتركة، غير أن ذلك لم يحدث ، فما السبب؟

يقرّ المعنيون والمهتمون بالشأن السياسي المغربي بأن أصحاب القرار تمكنوا من تحجيم الهياكل الحزبية وتقليم أظافرها وتجريدها من “أنيابها” ، أثناء “سنوات الرصاص” والتجاذبات السياسية والصراع على تقاسم السلطة ، بوسائل بالغة الحدة ، أقلها أسلوب الترغيب والترهيب والاختراق والانشقاق ، بيد أن تراجع الأداء الحزبي المغربي ، في العقدين الأخيرين ، يعود أيضاً وربما بدرجة أكثر وضوحا ، إلى الهيئات الحزبية نفسها ، التي رضخت بإرادتها لمسلكيات سياسوية هجينة ، وفضلت الانشغال بالمصالح والقضايا الضيقة ، على حساب القيم الوطنية النبيلة، الداعية إلى الديمقراطية والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية. ومعلوم أن الفضاء السياسي المغربي الراهن يضم نحو 35 “حزباً”، غالبيتها نكرة لا يعرفها الشارع المغربي ، ولا يسمع عنها إلا أثناء “الحملات الانتخابية” و”الاستحقاقات” البرلمانية والجماعية. وبالتالي ، هي في مجملها عبء على كاهل الوطن ، واستنزاف مادي ومعنوي لا طائل منه، بل إن عدمها أفضل ألف مرة من وجودها!

حزبان في المغرب و الباقي ..

ويمكن القول، من دون خشيةٍ من المبالغة، أن حزبين مغربيين اثنين هما الجديران بالاحترام والاعتبار، لما يتميزان به من مواصفات وسمات محترمة ،  نجد بعضها  في الهياكل السياسية الدولية المتقدمة، حيث تحترم الديمقراطية الداخلية، ويعمل بمبدأ الشفافية والحوار وتقبل الاختلاف والتنوع والاعتراف بالتيارات والتداول الحضاري على “الزعامة”. ويا للمفارقة، الأول يمثل الإسلام السياسي الديمقراطي (العدالة والتنمية) ، ويرأس الحكومة الائتلافية الحالية رغم أخطائه القاتلة وافتقاره لتجارب تدبيرية لازمة  ، والثاني يمثل اليسار الاشتراكي التقدمي (اليسار الاشتراكي الموحد) ، مع الإشارة إلى  أن “العدالة والتنمية” رغم تراجع شعبيته بشكل ملحوظ ، مازال يحظى بقبول نسبي ، و”اليسار الاشتراكي الموحد”، على الرغم من نياته الحسنة وأطره الرفيعة، لم يجد بعد المفتاح الذي يدخل به قلوب ملايين المغاربة.

وفي المقابل، هناك حزبان آخران يجران وراءهما “مشروعية تاريخية” ووطنية أكيدة، كما أنهما اعتبرا من أبرز الهياكل الحزبية في العالم الثالث، في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. وما من شك أنه كلما ذكرنا حزب الاستقلال، استحضرنا المؤسس و رجل الفكر و السياسة  علال الفاسي، صاحب النظر الثاقب والوعي السديد والثقافة العميقة. ولعل مؤلفاته الوطنية والسياسية والمعرفية ، منها كتاب النقد الذاتي توجز بشكل بالغ الوضوح ، صورة الزعيم السياسي البطل، فهو رجل فكر وإبداع ورجل نضال يومي من أجل الدفاع عن ثوابت الأمة.

الآن، أضحى حزب الاستقلال مجرد ذكرى تقترن بالمواسم الانتخابية وتوزيع الغنيمة مع الضرب بعرض الحائط بأدبياته المعرفية والسياسية والأيديولوجية المحافظة والصادقة، والاقتصارعلى البهرجة الشعبوية والاستعراض الإعلامي عديم الأهمية، ما استدعى مواجهة من “تيار” داخلي، يدعو إلى رفض انهاك الاستقلال والتنديد المطلق، وبـ”لا هوادة” بتغيير خطاب الحزب، و الخروج على أدبيات الحوار المنفتح. تماماً كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يقيم الدنيا ولا يقعدها في “الزمن السياسي الجميل”، في عهد المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد، أضحى “محارة” فارغة، ومستعداً للتواطؤ مع أي كان  من أجل معارضة “شرسة” للإسلام الديمقراطي و الأحزاب الوطنية المصرة على نهج خيار استقلالية القرار ، فلا صوت يعلو على صوت “الزعيم”، أما الأصوات المعارضة والآراء المختلفة، فلا محل لها من الإعراب، لأنها تتعارض و”قوانين” الحزب و”مقرراته”.

إنها العودة إلى التحكم و القبضة الحديدية، والدوس على الديمقراطية التشاركية والحكامة السياسية ومبدأ الاختلاف ، وباقي الشعارات واليافطات التي توظف خصيصاً للاستهلاك الإعلامي  والثرثرة في أروقة الفنادق المصنفة.

مرحلة جديدة تستدعي نخبة جديدة

هل يمكن إقامة دولة عصرية تستبطن المشترك الدولي وتستحضر القيم والمبادئ والأعراف والمواثيق المتعارف عليها كونياً بهذه الفقاقيع الهوائية؟ وهل يمكن بناء مجتمع ديمقراطي حداثي يضمن الإقلاع الشامل ، والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية بهكذا أحزاب سياسية ، زعماؤها شيوخ تجاوزتهم الأحداث من زمان ،  يفتقرون إلى الوعي بأبسط أبجديات الحداثة والديمقراطية والفكر الراجح، ويتنكرون للمبادئ الأخلاقية والأيديولوجية التي سطرها الآباء المؤسسون بدمائهم الطاهرة، ونزعتهم الوطنية الخالدة ؟ هل يمكن اللحاق بركب الدول الصاعدة أو المتقدمة بهيئات منتهية الصلاحية تخلت عن وظيفتها المسطرة : التأطير والتكوين وتمثيل الناخبين والمساهمة في ممارسة السلطة على قاعدة التعددية البناءة والمناخ الديمقراطي السليم ؟

* كاتب من المغرب

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى