كتاب السفير

المدارس الخاصّة …. دولة داخل الدولة

isjc

* يسين العمري

تمهيد:

تقول القاعدة الفقهية إنّ الحرية المطلقة مفسدة مطلق، و قياساً هناك مأثورة تقول من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب، و قد لا يخفى على العموم، و في القلب منهم آباء و أولياء التلاميذ الذين يدرس أبنائهم في مدارس خاصّة، أنّه مع كلّ موسم دراسي جديد تتكرّر ممارسات غير قانونية بعينها من طرف المدارس الخاصة. و على الرغم من شكايات الآباء و عدم رضاهم عن تجاوزات تلك المؤسسات، إلا أن شكاياتهم تبقى جعجعة بلا طحين، و تبقى دار لقمان على حالها. فما هي تلك الممارسات؟ و أين هي رقابة الدولة و القطاع الوصي؟ و ما الحلول لردع التجاوزات و ثني أصحابها؟

1- ممارسات غير قانونية و غير أخلاقية:

بادئ ذي بدء، يعتبر القانون رقم 06.00 هو النظام الأساسي أو الإطار القانوني للتعليم المدرسي الخصوصي، و هو الذي يضبط الشقين الإداري و التعليمي-التربوي لتلك المدارس.

لكن الممارسة الواقعية و الملموسة التي لا تخطئها العين المجرّدة، تؤكّد بالملموس أن هذا القانون يتمّ تجاوزه و التّحايل عليه من طرف المؤسسات التعليمية الخاصة، فكيف ذلك؟

أ- دفع التأمين الخاص بالسنة الدراسية الموالية مع أداء واجب شهر شتنبر في شهر يونيو :

يُفترض أن الدراسة تنتهي عمليا في شهر يونيو من كلّ سنة، و قبل انتهاء ذلك الشهر تطلب المؤسسات التعليمية الخاصّة من آباء و أولياء التلاميذ -بدعوى حجز مقعد لابنهم أو ابنتهم الموسم المقبل- أداء تأمين العام الموالي مع أداء شهر تسبيق (شهر شتنبر الذي تنطلق فيه الدراسة)، و بهذا يعتبر شهر يونيو هو الكابوس أو البعبع الذي يؤرّق الآباء في السنة، فالأب مطالب بدفع واجب شهر يونيو و شتنبر و تأمين العام الموالي، و إذا أضفنا إلى ذلك تزامن شهر يونيو غالباً في السنوات الأخيرة إما مع شهر رمضان أو عيد الفطر، و بدء العطلة الصيفية، فالأكيد أن المصيبة ستصبح مصيبتين، بل ثلاثة مصائب على جيوب أولئك الآباء.

ب- بيع الكتب المدرسية بأثمنة صاروخية، و مزاحمة الكتبيين في نشاطهم:

إن حرفة بيع الكتب المدرسية موكلة بأرباب المكتبات، هكذا يقول القانون و العرف و ما وجدنا عليه آبائنا، غير أنّ المدارس الخصوصية ابتدعت بدعة، ضيّقت من خلالها الخناق على الكتبيين المخنوقين أصلاً، و الذين يُشكّل الدخول المدرسي تقريباً 80% من ربحهم السنوي، و هذه البدعة تكمن في بيع المناهج و الكتب المدرسية، لا سيما تلك الخاصّة باللغة الفرنسية، و من المدارس من يبيع كلّ الكتب (المقرر كله)، بل منهم من يبيع حتى الأدوات، و طبعاً بأثمنة لا يمكن السكوت عنها، لأنها فعلاً باهظة الثمن، وصلت في بعض المؤسسات في العاصمة الاقتصادية إلى 3000 درهم (المقرر كاملا و الأدوات).

و هذا يدفع لطرح التساؤل حول مدى إمكانية الطبقة المتوسطة (غالباً الموظفون) مستقبلاً على مواكبة هذا التصاعد الصاروخي؟ فالمعروف أن النّاس تفرّ للتعليم الخصوصي، نظراً لكون مستوى التعليم العمومي أكثر من الكارثي بمراحل، و عليه، و حرصاً من الآباء على ضمان جودة تعليمية أكثر و أنجح و أنجع، يلجئون للتعليم الخاصّ، و يضحّون، ليدرس أبنائهم و فلذات أكبادهم بطريقة تؤهلهم مستقبلاً ليكونوا أكفاء، و هو نوع من الاستثمار في أولئك الأبناء للمستقبل، لكن يبدو مع ما يقع أن الاستثمار سيمنى بهزّات اقتصادية خانقة.

و بالمناسبة، و المناسبة شرط، و القياس هنا مباح، فحال من يلجأ للتعليم الخاصّ هرباً من التعليم العمومي، كحال من يفرّ من المستشفى العمومي للعيادة الخاصّة، فالعمومي عديم الكفاءة، مهمل، متخلّف، متّسخ، غير تنافسي، خدماته تحت الصّفر، و الخاصّ جزّار للبشر، لا يبقي و لا يذر، لا يرحم، يستنزف، يختصر البشر في جيوبهم. و بالتالي، فالمواطن في هذه الحالة كالمستجير من الرمضاء بالنار، تعدّدت الأسباب و الموت واحد. 

و مع كثرة الكتب و الدفاتر، حتى باتت المحفظة ينوء بحملها الرجل القوي، فما بالك بالتلميذ المسكين، يحتاج الآباء دوماً للعمل في المنزل مع أبنائهم، و منهم من يرسلهم إلى أساتذة آخرين ليعطوهم دروس التقوية و الدعم.

ج- لكل مدرسة كتبها؟

بغضّ النّظر عن كارثة تغيير المناهج الدراسية كلّ سنة تقريباً، و ما يستتبع ذلك من خسائر فادحة، لا سيما للكتبيين، بتنا نسمع عن كون كلّ مؤسسة لها مقررها الخاصّ، أتكلّم عن اللغة الفرنسية، أما مقرر لغة الضاد فهو موحّد، و هنا لا يسع المرء إلا أن يبقى فاغراً فاهُ و حائراً أمام هذه البلقنة في النظام التعليمي.

هل هناك جدوى من أن تجعل كلّ مدرسة خصوصية إلهها هواها، و تشرّع بالهوى و التلذّذ؟ 

حقيقة لم أفهم جيداً و لم أستوعب المغزى من قيام كلّ مدرسة بفرض كتب معينة (الحديث دائماً عن اللغة الفرنسية)، و بأثمنة باهظة، و  هي غالباً كتب أعدّها فرنسيون و ليس مغاربة، ممّا يدفع للتساؤل هل الأساتذة الذين يدرّسون المادّة في المدارس الخصوصية مؤهلون لتدريسها؟ و هل التلميذ قادر على الاستيعاب؟

د- الإكثار من مصاريف زائدة تحت مسميات و عناوين مختلفة:

تعمل المدارس الخاصة على استنزاف جيوب زبنائها بشتى الطرق، و تحت مختلف اليافطات، فمرّة رحلة، و مرة حفلة (بمناسبة و بغير مناسبة)، و تارة ثمن صور الحفلة أو الرحلة، و أخرى بدعوى أن حفلة ما تتطلب لباساً معيناً يتم دفع ثمنه للمؤسسة لتشتريه لتلاميذها، الخ من الخزعبلات، التي لا هدف و لا فائدة تعليمية أو تربوية منها، بل هدفها الوحيد و الأوحد هو السرقة الموصوفة مع سابق الإصرار و الترصّد لجيوب من ارتضوا أن يكون أبنائهم تلاميذاً بتلك المدارس.

2- أين الدولة ممّا يحدث؟

يقول المثل عن الشخص المغيّب عن الواقع، إن كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ، و إن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظم، و الأكيد أنّ الدولة و تحديداً القطاع الوصي، و أقصد به وزارة التربية الوطنية تعلم ما يحدث يقيناً، و أقول و أكرّر و أضع عشرة خطوط حمراء تحت كلمة يقيناً، فلا يمكن ألّا تعرف حجم هذه الفوضى العارمة، لكن السؤال الأكبر لماذا لا تتدخّل؟ لماذا لا تفعل القانون الذي ذكرناه أعلاه، و غيره من القوانين و الدوريات المؤطّرة للقطاع؟ مليار لماذا… أين اللجان؟ أين المراقبة؟ أين فرض أحكام القانون؟ أين الزجر؟ أين الدولة؟ هل باتت المدارس الخصوصية دولة داخل الدولة، مثلما بات الجيش و الكنيسة في مصر دولتان داخل الدولة على سبيل المثال؟ ما السبيل إلى لجم الممارسات التي أشرنا إليها؟ من ينقذ المواطنين من تغوّل هذه المدارس؟

حقيقة لا أود التفتيش في الضمائر و لا الخوض في النوايا و لا إطلاق أحكام قيمة، لكن المواطن العادي و البسيط يدري ماذا يقع عندما تزور لجنة ما إحدى المدارس الخصوصية، لذلك أصبح الحدّ من تجاوزات تلك المدارس في حكم الميؤوس منه.

ملحوظتان لا علاقة لهما بما سبق:

  • قام مؤخراً رجل أعمال و ممثل مصري يدعى محمد علي بفضح نهب قادة الجيش المصري لاقتصاد البلد، و طبعاً فضح هذه الممارسات بعد أن صفّى أملاكه و لجأ إلى الجارة إسبانيا، و عوض التحقيق في ما كاله من اتهامات طالت كبار المسؤولين في مصر المحروسة وصلت إلى عبد الفتاح السيسي شخصيا و زوجته انتصار، وجهت له النيابة العامّة تهمة المسّ بمؤسسات الدولة، و تقدّم أحد النواب بمشروع قانون لإعدام كل من يبث شائعات تمس بصورة الجيش المصري؟؟؟
  • عندما يقوم المواطنون في العالم الثالث طبعاً، بتوجيه شكاياتهم إلى رؤساء الدولة، فهذا معناه أن مؤسسات تلك الدول و مسؤوليها لا يعملون، و إنما يتقاضون أجورهم دون أداء التزاماتهم.
  • باحث في القانون الخاص و الإعلام و مقاربة النوع الاجتماعي

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى