في الواجهةكتاب السفير

يوم المدرس .. ماذا بعد ؟

isjc

* بقلم: عزيز لعويسي

انتهى “اليوم العالمي للمدرس” لهذه السنة (5  أكتوبر)، تاركا حزمة “رسائل” و”بطاقات تهاني وأماني” تناثرت عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، و”حفلات تكريم” كانت بعض المديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية مسرحا لها، وقبل هذا وذاك “رسالة تهنئة” من الوزير الوصي على القطاع  للمدرسين والمدرسات، اعترافا بما يقومون به من أدوار تعليمية وتربوية واجتماعية متعددة المستويات، أعقبتها رسائل مماثلة، صادرة عن عدد من المديرين الإقليميين، الذين تفاعلوا مع المناسبة، بكل ما تقتضيه من تهنئة وتكريم واحتفال .

 لكننا نرى أن “المدرس” أكبر من كلمات تهاني وأماني، تنتهي صلاحيتها بمجرد رحيل شمس الخامس من أكتوبر، وأكبر من احتفالات رسمية، غارقة في المجاملة والتبجيل والتقدير، ينتهي أثرها ومفعولها في أجواء باردة برودة الشتاء، في انتظار موسم دراسي جديد ويوم عالمي جديد، تتكرر معه نفس الاحتفالات بنفس البرودة والرتابة والملل، رحلت المواسم كما ترحل مواسم الحصاد، وبقيت وتبقى “دار لقمان المدرس” على حالها، حبلى بأحاسيس اليأس والإحباط وانسداد الأفق، في ظل واقع ممارسة شكل”الاحتقان” عنوانه العريض خلال السنوات الأخيرة، ولم تتوقف الحكاية عند حدود الاحتقان وما حمله ويحمله من مطالب فئوية، بل وازداد الوضع تعقيدا والصورة ضبابية، في ظل ارتفاع منسوب العنف المدرسي، الذي ضرب بقوة خاصة في السنتين الأخيرتين في عدد من المؤسسات التعليمية، بشكل عمق الإحساس بفقدان الثقة في المدرسة العمومية، وكرس المكانة المخجلة التي آل إليها المدرس في المجتمع، من ضعف وهوان وتراجع،  في زمن السخافة والتفاهة والانحطاط القيمي.

لذلك، فمناسبة “اليوم العالمي للمدرس”، يفترض أن تكون فرصة سانحة للكشف عن سوءة واقع حال المدرسة العمومية، بجرأة وشجاعة ومسؤولية، ومساءلة الأوضاع العامة للشغيلة التعليمية وما تتخبط فيه من مشكلات مهنية وتربوية واجتماعية، والتفكير الرصين في تقديم الحلول الممكنة والبدائل الناجعة القادرة على تصحيح الصورة المفلسة بكل تجلياتها وأبعادها.. والاحتفال الحقيقي بالمدرس في يومه العالمي، يقتضي التعجيل بمعالجة أوضاعه وظروف عمله، بأجور توفر شروط الكرامة اقتضاء بعدد من المهن أو الوظائف، والتفكير في إرساء منظومة للتحفيز تستحضر حجم وجسامة المهمات المسندة، من قبيل “المراقبة”/”الحراسة” سواء تعلق الأمر باستحقاقات الباكالوريا والامتحانات المهنية ومباريات التوظيف، أو  بما يرتبط بذلك من مهمات “التصحيح”، كما يقتضي تنزيل مناهج وبرامج عصرية، تقطع مع “الكم” المكرس للملل والرتابة، متفتحة على الثورة الرقمية وطرائق التدريس الحديثة، وإعطاء نفس جديد للحياة المدرسية، من أجل كسب رهانات مدارس عمومية جذابة بفضاءاتها ومرافقها، بالقدر ما تتيح التعلمات الناجعة والفعالة، بالقدر ما تفتح مساحات للتأهيل والتدريب والتعبير عن الطاقات والقدرات والمواهب والمهارات والميولات.

غير هذا، لن يكون اليوم العالمي للمدرس، إلا فرصة للركوب المجاني على صهوة المجاملة وتقاسم بطاقات الشكر والتهنئة، التي يكون حالها، كحال بطاقات التعبئة التي تنتهي قيمتها  بمجرد تعبئة الرصيد، وعليه، فالأمل كل الأمل، أن يتم القطع مع لغة الخشب وسياسة المساحيق، بقول الحقيقة التي تبدو كالبرتقالة المرة التي لايختلف إثنان في مرارتها، والتحلي بالشجاعة والجرأة في إعادة الاعتبار وتصحيح المسار، ليس فقط، من أجل كسب رهان “الرؤية الإستراتيجية للإصلاح”، ولكن أيضا، من أجل العودة إلى الرشد وجادة الصواب، والاقتناع الراسخ، بأن التحديات الآنية والمستقبلية (النموذج التنموي، مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل …)، لايمكن كسبها إلا بالتعليم الناجع والفعال، الذي لايمكن إدراكه، إلا بالرفع من شأن وقيمة المدرسين  داخل المجتمع، من منطلق أن الأمم، يقاس مستوى تقدمها ورقيها، بمدى احترام وقيمة مدرساتها ومدرسيها.

ونختم بإهداء بطاقة شكر وامتنان، مرصعة بمفردات التهاني والأماني، مهداة لكل من يقدر جسامة الأمانة بتضحية ونكران للذات ومواطنة حقة .. لكل من يحترق كالشموع في صمت، من أجل تنوير العقول وتطهير القلوب وبناء الوطن .. لكل من يمارس مهنة النبل والتميز، بنضج ورقــي ومسؤولية .. لكل من يحق فيه قول الشاعر :” قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا ..” عسى أن يكون العيد القادم، فرصة للاحتفاء بالقيمة والمكانة ورد الاعتبار  على حد ســـواء … تحت ظلال “مدرسة عمومية” جذابة بكل المقاييس والمواصفات .. وكل عام والشغيلة التعليمية بألف خير …

[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى