في الواجهةكتاب السفير

ماذا يقع في مباريات الولوج لسلك الماستر؟ أينك يا وزارة التعليم العالي؟

isjc

* يسين العمري

يقول مارتن لوثر كينغ أن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في وقت المعارك الأخلاقية العظيمة، و لا أظنّ أن هناك معركة أخلاقية أعظم من الدفاع عن حق أبناء الشعب في إتمام دراساتهم العليا، احتراماً لمبدأ النزاهة و الشفافية التي صدّعوا رؤوسنا بالحديث عنها في البرنامج الحكومي و تصريحات الوزراء و الجلسات البرلمانية و نشرات الأخبار و غيرها…

لكن مع كلّ دخول جامعي جديد، يعود ليطفو على السّطح موضوع الخروقات التي تشوب مدى احترام معايير انتقاء الطلبة في الماستر، و هي شكايات تطال تقريباً كلّ كليات و معاهد الدراسات العليا بالمغرب، و مع ذلك، و حتى لا يكون كلامي عامّاً و فضفاضاً، سأتكلّم عن كلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (ظهر المهراز بمدينة فاس)، لعدّة اعتبارات أهمها أنني خرّيج تلك الكلية و أفتخر طبعاً.

مع مطلع كلّ سنة جامعية أتلقّى من عدّة طلبة شكايات شفوية و كتابية، بخصوص ما يسمونه “الممارسات اللا أخلاقية” التي تشهدها كلية الحقوق بفاس، و على رأسها وجود لوبيات فساد متحكّمة في تلك الكلية، و أنّ الانتقاء على معايير تشوبها الزبونية و المحسوبية، و محاباة بعض الطلبة لقرابتهم العائلية من بعض الأساتذة أو الإداريين، و وصلت الاتهامات لحدّ “الرشوة” و “الابتزاز الجنسي”، و مجاملة بعض الطلبة “المتملّقين”… الخ من الأمور التي ذُكرت لي، و التي تبقى اتّهامات من قائليها، قد تكون صحيحة في مجملها أو بعضها أو قد تكون كيدية و خاطئة في مجملها، لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

و في الحقيقة كنت دوماً أتقاعس عن الكتابة، لأنّ معرفتي بأولئك الطلبة المشتكين معرفة عادية، معظمها تكوّنت في الفضاء الأزرق “فايسبوك”، لذلك فأنا غير ملمّ بمستواهم التعليمي، و بالتالي كنت غير متحمّس للكتابة، رغم أنّ هذه الاتهامات موجودة منذ أن كنت طالباً بتلك الكلية، و سمعت عن أشياء مخجلة، و وقفت على بعضها، لكن سرعان ما تناسيت كلّ شيء عندما تمّ قبولي في ماستر آخر.

لكن ما دفعني بالكتابة بمنتهى الصراحة، هي حالة طالب أعرفه تمام المعرفة، و عن قرب، و أعرف معرفة جيّدة مستواه العلمي في الميدان القانوني، و في الحقيقة أستطيع الجزم أنه من نوابغ القانون لا سيما في شقيه المدني و التجاري، و كان وقته طيلة السنة موزّعاً بين حضور الدروس بالكلية و التدريب بمختلف المحاكم بفاس، و لدى محامين و مختلف المهن القضائية، نعم أقرّ أنني كنت أرى فيه شعلة حماس، و كنت أعتبره نابغة سابقة لعصرها مقارنة بأقرانه، و موهبة فذّة في الميدان.

لذلك كنت أعتبر قبوله في سلك الماستر، بل و الدكتوراه أمر من قبيل تحصيل الحاصل، و هو كذلك، كان يثق في نفسه و قدراته لأبعد الحدود، لدرجة أنّه كان متيقناً بأنه سيُقبل في الماستر بفاس، فلم يدفع ملفّه في غيرها.

لكن الرياح جاءت بغير ما تشتهي السّفن، فظهرت نتيجة الطلبة المقبولين، التي توقعت أنا و هو وكل زملائه أن يتربّع على عرشها، فإذا اسمه غير وارد باللائحة على الإطلاق. بكى، سقط مغشيا عليه، فقد أعصابه، شتم، سبّ… لكن كلّ ذلك لم يشفِ غليله، لقد أحسّ أنّه جُرح في كرامته، و قال لي بالحرف الواحد، لا زلنا في مغرب يميّز بين “الفلاح القروي القادم من تاونات” و بين “أهل فاس”، لا زال ابن الفلاح لا يستطيع الحصول على نفس فرص “ابن الأستاذ الجامعي”… قال كثيراً من الكلام، حسبته قاله في ساعة غضب، و حاولت تهدئته بقدر الإمكان، لكن يبدو أنه كفر بالعلم، و كفر بالوطن، و كفر بكل شيء، و بات هدفه الهجرة للخارج على قوارب الموت، بعد أن كان هدفه أن يصبح قاضياً، و تمّ قتل طموحه بدم بارد.

و أنا من هذا المنبر، أُسائل سيادتكم يا وزير التعليم العالي، لماذا ترك معايير الاستحقاق لولوج الدراسات العليا (ماستر و دكتوراه) بين يدي أهواء البعض، دون معايير علمية و إدارية دقيقة و مضبوطة، لماذا لا يتم منح الفرصة للجميع لاجتياز الامتحانات و من ثمّ تصحيح الامتحانات على يد لجنة مستقلة، ربّما من كلية أخرى، حتى تكون الأمور أكثر شفافية و عدلاً، حتى إذا رسب المترشح، ففي هذه الحالة عليه أن يلوم نفسه، لعدم قدرته على النجاح، لأسباب موضوعية أو ذاتية. لا أن يندب حظّه و يلعن الظروف و المسؤولين، و عوض الهجرة لبلاد “الإسبان” الذين كان ملوكهم ذات يوم يوقعون رسائلهم سلطان الأندلس و المغرب بكلمة “خادمكم المطيع”.

  • باحث في القانون الخاص و الإعلام و مقاربة النوع الاجتماعي.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى