كتاب السفير

عن أية عصا بيضاء نتحدث..

isjc

* الدكتور: عبد الواحد أولاد ملود

يصادف الخامس عشر أكتوبر من كل سنة تخليد اليوم العالمي للعصا البيضاء ، الذي يهدف إلى تشجيع ذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين وضعاف البصر) على استخدام العصا البيضاء للتحرك، هذا اليوم يعتبر دافعا قويا لنشر الوعي بحقوق المكفوفين والكشف عن سبل العزل الاجتماعي الذي يمكن أن يتعرض له هؤلاء…

من هذا المنطلق، يمكن تحليل الموضوع من زاوية مدى احترام المجتمع بمختلف مكوناته للعصا البيضاء كإشارة لخصوصية ذوي الإعاقة البصرية، فحينما نتحدث عن علاقة الكفيف بالعصا البيضاء، يلزم التنبيه كذلك إلى أبعاد فهم المجتمع للنظرة التي تسود نحو هذه الفئة.

إن النظرة المجتمعية لطبيعة الإعاقة البصرية في بلادنا مفعمة بجرعة الإحسان والتهميش ووضع الإعاقة البصرية كغيرها من الإعاقات الأخرى في كفة التسول واللعنة الإلهية… وأن المكفوفين وضعاف البصر لا يمكنهم الاستثمار في مجتمع أصلا مشحون بالقهر والأمية والإلحاد، الذي يواجه قضايا كثيرة كقضية الإعاقة التي لم تبرح مكانها منذ فترة غير يسيرة.

فالحديث عن وضعية ذوي الإعاقة البصرية بالمغرب يجرنا إلى توظيف أدوات بحثية للوقوف عند مكامن القوة والضعف الذي يشهده ملف الإعاقة، فالمنهج التحليلي للقضية يضعنا في نقطة مهمة مفادها أن تحليل وضعية المكفوفين يشوبها خلل على مستوى فهم النخب من ناحية، وكذا حتى طرق تناول أصحاب القضية أنفسهم لتدبير أوضاعهم، يواجهه لبس بين الصراعات ومحدودية وعيهم بالقضية من جهة أخرى.

تعد العصا البيضاء رمزا للتحرر من القيود والشعور بالذات وتعويض العجز أو القصور البصري، لكن واقع الحال الذي يُنظر إليه اتجاه هذه العصا يتجلى أحيانا في السخرية وأحيانا أخرى في التجاهل والإقصاء والتهميش… فكيف يتم الحديث عن حرية تنقل المكفوفين في ظل غياب سياسة عمومية تأخذ بعين الاعتبار مشاكل التعليم والصحة والتشغيل والمشاركة داخل المجتمع للمكفوفين وضعاف البصر، فملف الإعاقة البصرية ببلادنا إن لم يأخذ مسارا نحو الركود فلا يتجه إلى حلحلة الأوضاع المزرية التي تعيشها هذه الفئة.

فإشكالية تعلُم ذوي الإعاقة البصرية لا زال يرتبط بتدبير مؤسساتي ذات طابع الرعاية الاجتماعية وتملص الوزارة الوصية عن القطاع من إدراج منهجية بداغوجية صالحة لتدريس هذه الشريحة، ناهيك عن قطاع الصحة والتشغيل الذي تتغنى القطاعات الحكومية بوضع استراتيجية فعالة للإعاقة، في المقابل ما خفي كان أعظم، وهو الأمر الذي سجلناه بدفع ثمن حياة أبرياء على غرار المرحوم “صابر الحلوي وميلود الحمراوي” اللذين سقطا من على سطح وزارة التضامن إبان فترة الوزيرة “الحقاوي” ، نتيجة لما يمكن تسميته بالتعنت الوزاري لهذه الأخيرة وانعدام مبدأ التواصل والحوار وفهم متطلبات ذوي الإعاقة…

رحلت عن الوزارة تاركة خلفها معاناة أسرتي الفقيدين رفقة أصدقائهم من المكفوفين وضعاف البصر، في حين أن تنقل المكفوفين وضعاف البصر في وسائل النقل يواجه هو الآخر بصراع بينهم وبين المستثمرين في المجال، نظرا لعدم الأخذ بعين الاعتبار حقوق ذوي الإعاقة في التنقل التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوقهم وكذلك التشريعات الوطنية على مستوى التدبير المفوض، وهو ما سُجل في “القطارات والترامواي” ووسائل النقل داخل المجال الحضري، كما وقع في مدينة فاس والرباط وربما ستشهده كذلك مدينة الدار البيضاء ، بإقحام شركة جديدة للنقل في الأسابيع القليلة المقبلة. ليعيش ذوي الإعاقة على نفس السيناريوهات بسبب غياب إرادة سياسية لأصحاب القرار في جميع المجالات.

إن فهم أبعاد العصا البيضاء من غالبية أطياف المجتمع المغربي خاصة  أصحاب تدبير الشأن العام والشأن المحلي يمكن أن نُطلق عليه بالعامية “العصا في الرويضة” لحقوق وتدبير أوضاع ذوي الإعاقة… وهذا ينعكس سلبا على فهم باقي المجتمع، في ظل غياب التوعية بشؤون ذوي الإعاقة عامة وبحقوق المكفوفين وضعاف البصر على وجه الخصوص.

مهتم ومتابع لقضايا الإعاقة بالمغرب *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى