في الواجهةكتاب السفير

مهام تحت المجهر لجامعة الحسن الثاني بالبيضاء.. تساؤلات وهواجس حول حوافز اسناد المسؤوليات بالرئاسة وتدبير المشاكل.. والملفات الساخنة برئاسة وهياكل الجامعة -الجزء الرابع

isjc
* بقلم: ذ. ساجد المصطفى – كلية الحقوق –المحمدية

فمصادقة أعضاء مجلس الجامعة بالإجماع كل سنة جامعية على الميزانية أصبحت من الشكليات الروتينية بدون تدقيق في كل جوانبها وتتبع صرفها للوقوف على بؤر الظلام 

( zones d’ombre ) وللحد من التسيب المالي والتلاعب بالمالية العمومية وفرضية استغلالها لأغراض خاصة من خلال تضخيم التعويضات وعدم شفافية الصفقات والنفقات.

ففي بعض المؤسسات الجامعية لا تحترم معايير توزيع الموارد المالية وتبويبها وأن البعض من رؤساء المؤسسات يتصرفون في موارد الميزانية وموارد التكوين المستمر كما لو أنها موارد خاصة و”وزيعة قابلة للاقتسام”، وليست بمال عام يجب تدبيره وفق مبادئ الصالح العام وبطرق شفافة ومسؤولة.

إلا أنه ما يجب التأكيد عليه هو أنه لا يمكن محاربة نهب المال العام والاغتناء الغير مشروع في ظل غياب آليات حقيقية وفعالة لحماية المال العام ولمعاقبة كل من سولت له نفسه ارتكاب أفعال منافية للقانون على المستوى المالي من تلاعب بالمهام واستغلال للموارد وعدم صرفها كما هي موزعة ومبوبة وفق معايير محددة ومصادق عليها.

فلا يمكن ردع ذوي المسؤوليات وتحقيق المصلحة العامة إذا لم يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة كما تنص على ذلك المادة الأولى من دستور 2011.

فسلوكيات التلاعب والاستهتار بموارد التكوين المستمر ببعض المؤسسات الجامعية، من خلال عدم احترام معايير توزيعها وبالتحكم الفردي لرؤساء المؤسسات في صرفها، في تهميش وغياب دور “نواة التكوين المستمر” (cellule de formation continue)  بمجلس المؤسسة والتي لم يتم بعد خلقها بمجموعة من المؤسسات، هذه كلها عوامل توضح بالملموس أن مقتضيات القانون الداخلي للتكوين المستمر لا وجود لها على أرض الواقع وأنها متجاوزة تماما.

فالتجاوزات البيداغوجية والمالية والتعسفات والابتزازات في حق بعض منسقي التكوينات، الذين يواجهون تضييقات أو اصطدامات مباشرة مع الإدارة في ظل غياب الهياكل المعنية بالتدقيق في الحصص البيداغوجية والتعويضات المالية، وعدم شفافية صرف موارد هذا التكوين، هي سلوكيات تفسر كذلك عدم فعالية اختصاصات المركز الجامعي للتكوين المستمر برئاسة الجامعة

 (Centre universitaire de formation continue) .

فالمراقبة العليا للمالية العمومية (le contrôle supérieur des finances publiques ) تتم من طرف المجلس الأعلى للحسابات (la cour des comptes ). فبناءا على الفصل 147 من دستور 2011: “المجلس الأعلى للحسابات هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة ويضمن الدستور استقلاليته. يمارس المجلس الأعلى للحسابات مهمة توعية وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.

يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها ويتخذ عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة(…).”  وعليه فللمجلس الأعلى للحسابات دور هام لحماية ومراقبة المال العام من خلال تأكيده على مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة على مستوى تدبير المالية العمومية.

إلا أنه رغم أهمية مبادئ وأهداف المجلس الأعلى للحسابات، فآليات المحاسبة والمعاقبة أبانت عن محدوديتها بحيث أنه نادرا ما تكون هناك تبعات لتقاريره والتي غالبا ما يتم تجميدها أو تحريك مساطر العقاب بنوايا وأساليب انتقائية. فعلى المجلس الأعلى للحسابات أن يدرج ضمن أولوياته العمل على تعميم مراقبة وفحص ميزانيات المؤسسات الجامعية لما لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي من أهمية قصوى بالنسبة للمجتمعات الحالية، بحيث أن التنمية الشاملة، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، رهينة بالتمويل العمومي في إنتاج الإنسان وفي النهوض بالاستثمار اللامادي والبشري.

فالنصوص بدون تفعيل تبقى حبرا على ورق وأن هناك نهج أسلوب عدم المحاسبة وسياسة الإفلات من العقاب للدفع بالتهافت على شغل المسؤوليات واللهات وراء منافعها بخلق الجاذبية والحماس لتحملها من خلال ربط المسؤولية بالتعليف و التسمين المادي وليس بالمحاسبة في إطار إستراتيجية تدجين واحتواء النخب (Cooptation et domestication) وإغرائهم للدخول في لعبة متحكم فيها ولتحريك العجلة وتذويبهم لتأثيت مشهد سياسي وإداري في ظل مؤسسات وتشريعات تخدم احتكار واستمرارية الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية وبسط النفوذ على الاقتصاد الوطني وخيرات البلاد بالتوجه الريعي وعواقب التبعية للخارج وكذلك التأثيرات القوية لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.

أكيد أنه في ظل غياب آليات الضغط، على المستوى السياسي والنقابي والهياكل الجامعية، وبعدم فصل حقيقي للسلط وبعدم تفعيل المادة الأولى من الدستور بربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي إطار تشريعات وسياسة اقتصادية على مقاس النافذين والجهات المتحكمة في الاقتصاد الوطني وفي خيرات البلاد، وتحت تأثيرات توصيات واملاءات المؤسسات المالية الدولية، فلا يمكن انتظار العصا السحرية من رئيس الجامعة والمراهنة على عمله وتصور مشروعه.

 إلا أنه في حالة تعيين رئيس للجامعة يتحلى بخصال النزاهة والاستقامة وبالتشبث بمبادئ الحزم وتكافؤ الفرص وصرامة المسؤولية لخدمة الصالح العام فوق كل اعتبار، يمكن تحسين شيئا ما وضعية الجامعة على مستوى ظروف الاشتغال والتدبير الجيد للمرفق العمومي بإدارة الجامعة والمؤسسات التابعة لها على جميع المستويات الإداري والبيداغوجي والعلمي والمالي وكذلك فيما يهم مسؤولية الحزم للتطبيق الصارم لمقتضيات النصوص القانونية وفرض احترامها بتفعيل المحاسبة الإدارية وحتى القضائية فيما يخص الأفعال المجرمة بالنصوص.

للأسف في إطار تفشي المنظور الليبرالي الذي يسعى إلى تبضيع وتسليع كل حاجيات الإنسان وتصور المجتمع كتجمع أفراد (peuplement d’individus) منقسمين بين منتجين ومستهلكين، وفي ظل اكتساح منطق التسلق المادي وتوغله بالمجتمع، يصبح كل من يتشبث بالقيم المعنوية وبمبادئ الصراع والمقاومة والممانعة يعتبر من الكائنات الغريبة ويوجب على الجميع الاستسلام لهيمنة قانون السوق والتأقلم مع متطلبات المرحلة ومع قيم النظام الليبرالي بالركوب بسرعة في قطار تقوية المنفعة الخاصة والتطاحن على تقلد المسؤوليات باعتبارها فرص للتسلق السريع واقتناص كل فرص الاستدراك المادي

  (appât pour le gain)للاغتناء الغير مشروع وبالتخلي عن القيم المعنوية وكل الحمولات الفكرية الثقيلة وعن كل ما يصب في اتجاه المصلحة العامة وعن الارتباطات الاجتماعية والثقافية والتاريخية. فبتفتت البينيات الاجتماعية والروابط الصلبة واندثار قوة الأحزاب السياسية والنقابية وكل التنظيمات الجماهيرية التقدمية، نصبح أمام تنظيمات رجعية مصطنعة على أساس ديني واديولوجي، في إطار مجتمعات سائلة (Sociétés liquides) التي أضحت تميز المجتمعات الليبرالية والتي تجند الوسائل والأساليب لتخريب الروابط الاجتماعية والمؤسسات المعبرة عنها.

أضحى واضحا أنه لا مكان ولا وجود لبقايا وأفكار ما يسمى بالمثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي نسبة إلى الفيلسوف والكاتب الإيطالي أنطونير غرامشي Antonio Gramsci ذو المرجعية الماركسية المتنورة التي تغلب العامل الثقافي من خلال الدور الريادي للفئة المثقفة في تسريع وتيرة التغيير المجتمعي وللحد من الهيمنة الاقتصادية والسياسية للطبقة الحاكمة والمالكة لوسائل الإنتاج والتي تتحكم في توزيع الثروة وفي سن تشريعات تضرب حقوق المستضعفين والمضطهدين وتخنق الحريات العامة والشخصية، هو ذلك المثقف الذي يربط ما بين الفكر والممارسة ويوجه كل اهتماماته وأولوياته الفكرية وارتباطاته السياسية والميدانية في خدمة التغيير المجتمعي انطلاقا من وعيه بضرورة الاصطفاف بجانب الطبقات المضطهدة والمستغلة والمسلوبة في حريتها وكرامتها وحقوقها وثروتها. 

تتمــة…

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى