في الواجهةكتاب السفير

خطاب الذكرى 44 للمسيرة الخضراء: التمسك بالحكم الذاتي في بعديه الدولي والإقليمي

isjc
* ذ. طارق شهير

ركز الخطاب الملكي في الذكرى 44 للمسيرة الخضراء على ربط هذا الحدث التاريخي بالمستقبل التنموي المنشود ، الذي شهد معالمه أيضا خطاب الدورة الخريفية للبرلمان في11 من الشهر المنصرم، ورغم قصره نسبيا فقد تضمن خطاب الأربعاء 6 نونبر العديد من الإجابات عن أسئلة ومواقف دولية وإقليمية ،يمكن قراءتها انطلاقا من أربع رؤى أساسية :

الرؤية القانونية: الرد على قرار مجلس الأمن

رغم أن قرار مجلس الأمن 2494 الذي تمت المصادقة عليه يوم 30 أكتوبر 2019 بتصويت 13 عضوا وامتناع صوتين (روسيا وجنوب إفريقيا) كان مع الطرح المغربي نسبيا -بتجديد مهمة بعثة المينورسو سنة كاملة – وهو ما دفع جبهة البوليساريو عبر وسائل الإعلام إلى انتقاد هيئة الأمم المتحدة والتلويح بالعودة إلى حمل السلاح – إلا أنه شدد على ضرورة انخراط الطرفين (المغرب والبوليساريو) في مفاوضات جادة، والتحلي بالواقعية للتوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي دائم لمسألة الصحراء.

هذه النقط استأثرت بأهمية الخطاب الملكي ،الذي رد بدوره على مفهوم الحل الواقعي المتمثل في الحكم الذاتي، بناء على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ حيث نقرأ في هذا الصدد:

((سيواصل “المغرب” العمل بصدق وحسن نية طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا من طرف منظمة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي وهو الحل الذي تجسده مبادرة الحكم الذاتي))

وللقطع مع أي محاولة خارج مبادرة الحكم الذاتي هاته، عرض الخطاب جملة من الحجج الأساسية تمثلت في مايلي: -التشديد على تبني المبادرة أعلاه باعتبارها السبيل الوحيد للتسوية انسجاما مع الوحدة الوطنية والترابية للمملكة. –زيادة عدد الدول التي لا تعترف بجبهة البوليساريو والذي يفوق 163 دولة. –الشراكات والاتفاقيات بين المغرب من جهة وبين مختلف الدول -سواء القوى الكبرى أو الدول الصديقة -من جهة ثانية.

الرؤية التنموية: التذكير بأهمية الجهوية المتقدمة

تطلع الخطاب في إطار الجهوية المتقدمة إلى جعل جهة “سوس ماسة درعة” مركزا اقتصاديا يربط بين شمال المغرب بجنوبه، انطلاقا من طنجة شمالا ووجدة شرقا إلى باقي الأقاليم الصحراوية، وذلك من خلال ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية الذي من شأنه أن يفك العزلة عن هذه المناطق الجنوبية ،خاصة إذا ما تعزز مستقبلا بالشبكة الطرقية؛ حيث جاء في الخطاب: (( ندعو للتفكير بكل جدية في ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية؛ في انتظار توسيعه إلى باقي الجهات الجنوبية، ودعم شبكة الطرق التي نعمل على تعزيزها بالطريق السريع بين أكادير والداخلة)) .

إلا أن هذا التطلع المتمثل في التمركز الاقتصادي لجهة “سوس ماسة درعة” لا يعني –حسب الخطاب – إهمال الجهات الأخرى؛ إذ أن التنمية المنشودة تستدعي استفادة كل جهات المملكة من الثروات بشكل متساو وعادل. وفي هذا السياق يوضح الخطاب على لسان العاهل المغربي:(( فالمغرب الذي نريده يجب أن يقوم على جهات منسجمة ومتكاملة، تستفيد على قدم المساواة من البنيات التحتية ومن المشاريع الكبرى التي ينبغي أن تعود بالخير على كل الجهات))

الرؤية المغاربية: ضرورة تجاوز الجمود

أوضح الخطاب الملكي مجموعة من التحديات التي تنتظر دول المغرب العربي من غير أن يشير إلى دولة بعينها، خاصة “الجزائر” التي كانت تحضر في العديد من الخطب الوطنية؛ وتجسدت معالم هذه التحديات في: مطالبة الشباب المغاربي بفضاء منفتح للتواصل والتبادل، وانتظارات الدول الأوروبية والإفريقية في بحثها المضني عن شريك فعال، للإسهام في مشاريع تنموية، فضلا عن الدول العربية التي تنتظر بدورها انخراط المغرب العربي في بلورة نظام عربي جديد يواكب تطلعات الشعوب، ولم يخف الخطاب أسفه الناجم عن ضعف المغرب العربي نتيجة جموده التنموي حيث يقر بذلك: ((والحقيقة أن عدونا المشترك هو الجمود وضعف التنمية التي تعاني منها شعوبنا الخمسة))

الرؤية الإفريقية: المنفعة المشتركة:

تكمن أهمية البعد الإفريقي في الخطاب الملكي ،انطلاقا من اعتبار الصحراء بمثابة بوابة المغرب نحو إفريقيا، ناهيك عن جعل القارة السمراء في صلب السياسة الخارجية للمملكة، مما كان له أثر ايجابي تجسد في التوقيع على حوالي ألف اتفاقية مع العديد من الدول تشمل كل مجالات التعاون.

إن التذكير بالعلاقات المغربية الإفريقية في إطار السياسة الدبلوماسية للمملكة، يواكبه عزم المغرب على مواصلة بناء مستقبل افريقيا من خلال العمل على جلب الاستثمارات وتوسيع المبادلات التجارية ،في إطار ما سماه الملك هذه المرة ب”المنفعة المشتركة”، مما يفسر دعوة البلدان الإفريقية إلى تبادل المصالح مع المغرب ،وعلى رأس هذه المصالح دعم الأطروحة المغربية (الحكم الذاتي)؛حيث نقرأ: ((كما نطمح للرفع من مستوى المبادلات التجارية، ومن الاستثمارات المغربية في القارة، وإطلاق مرحلة جديدة عمادها المنفعة المشتركة))

هذه الرؤى الأربعة “القانونية، والتنموية، والمغاربية، والإفريقية” التي ميزت خطاب المسيرة الخضراء، تأتي في سياق ربيع عربي جديد تشهده المنطقة العربية والمغاربية على وجه الخصوص ،بعدما أخذت ثماره تزهر في تونس بانتخابات نزيهة، وتورق بالجزائر ولبنان في حراك سلمي، وتلتهب أحيانا كما هو الشأن في العراق والسودان، مما يثير التحديات التي تنتظر دول المنطقة لمواكبة التغيير بما فيها المغرب، وهو الأمر الذي دفع بالخطاب الملكي إلى الإشادة بالروح المغربية التي يعول عليها كثيرا في بلورة النهضة التنموية مثلما تمكنت في الماضي من استرجاع المناطق الصحراوية .

ليطرح السؤال : هل هذه الروح الوطنية مازالت مشبعة بالحماسة والإرادة بما يكفي للانخراط في هذه النهضة أم أنها تحتاج إلى تطهير بمفهوم المفكر –أرسطو- لتجاوز الجمود واليأس الذي يحول دون إقدامها على المستقبل المنشود؟

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى