أقلام حرة

المجرم المتخفي

isjc

* الطاهري الشرقي 

ظل راكنا بزاوية في المقهى يرشف من كأس القهوة البارد على الطاولة وعقله شارد .وبعد برهة تمر النادلة بلباسها المميز ورشاقة وخفة فتمسح الطاولة من جديد .ممعنة النظر في الجالس أمامها بطريقة خاطفة .بينما هو لم يأبه لتصرفاتها وظل يمسك سيجارته بين أنامله  وينفث الدخان متصاعدا في عنان السماء .فيرن الهاتف فيكتفي بالنظر في الرقم الظاهر على شاشة الهاتف فيقرر بأن لا يرد ربما يبدو أن المتصل لم يرقه .أو شخص غير مرغوب فيه … مرة أخرى يرن الهاتف  فيتركه جانبا مكتفيا فقط بإطلالة على رقم المتصل … لايهتم لذلك …ماهي إلا ثوان حتى يرن الهاتف من جديد فيمعن النظر ويصيبه إلا رتباك من الجهة المتصلة خصوصا هذه المرة  بدون رقم اتصال …صاحبنا على ما يبدو فطن للفخ فتعمد عدم الرد  وحتى لا يثير فضول زبناء المقهى أشعل سيجارة من جديد ثم نادى على النادلة ….رجاءا جريدة. غضبت منه مكتفية بالرد عليه ان توفرت سأحاول فظهر جليا على محياه الغضب ..فبادر بكلام غير مفهوم وكأنه يحدث نفسه ويتابع شرب الدخان بنهم …

تمر دورية للشرطة فجأة من أمام المقهى أطال راكبوها النظر الى الجالسين ..بينما هو انحنى قصد التمويه منهمكا في مسح الحداء.لم يفطن أحد لتصرفاته وظل يرقب سيارة الشرطة وهي تسير متمهلة ..تعمد الدخول للمرحاض  تاركا هاتفه على الطاولة …في تلك الأثناء سيمر ماسح الأحدية ..ما ان رمق الهاتف حتى سحبه كالبرق وانصرف  بسرعة الضوء وسط حشود المارة وزحمة الشارع .غير مبال بمن حوله وما ان تجاوزت سيارة الشرطة الشارع الموازي للمقهى  حتى توقفت أمام محل لبيع الأكلات الخفيفة .وكانت تنبعث منه موسيقى صاخبة تتسرب الى الخارج من نوافذه المحكمة الاغلاق .فترجل الشرطي من السيارة  بسرعة .حيث كان بهو المطعم مضيء بألوان عاكسة وخاطفة للنظر .والقاعة تعج عن آخرها بالزبائن جلهم نساء وفتيات في مقتبل العمر بأزيائهن البراقة جالسات يمسكن بين أصابعهن سيجارة وبين الفينة والأخرى يصففن خصلات شعورهن الملونة  وتتفقدن مساحيق وجوههن الساطعة بالأضواء اللامعة …وعند أطراف البهو تبادل الشرطي أطراف الحديث مع النادل  في حين كان الحضور مندهشا من الشرطي فتقدم أحد الزبناء في مقتبل العمركان يضع ربطة عنق فاتحة اللون يجلس برفقة فتاة فخاطب الشرطي بلهجة  تغلب عليها الجدية ….يبدو سيدي أنكم جئتم الى هذا المكان عن طريق الخطأ ودخلتم علينا من دون استئذان للأسف لهذا أرجو بأن لا تضايقونا أكثر. مشيرا للشرطي الى ممر الخروج …فعض الشرطي على شفتيه ممتعضا من تصرفات هذا الوسيم  ….

وما ان هم الشرطي بالخروج حتى لحقت به امرأة تحمل طفلا صغيرا وملا محها غاضبة ثم ألقت نظرة على الزبناء فردا فردا فأومأت برأسها للشرطي دلالة على النفي …فأجاب الشرطي آسفون على الازعاج ..وسحب المرأة من يدها وبكاء الصغير بين يديها يشق صمت العثمة ..وما ان جلس خلف المقود حتى أجهشت هي بالبكاء ….تمر سيارة إلا سعاف مدوية في الشارع المقابل  فيهرع المارة وتلحقهم سيارة الشرطة … اذا بجثة شاب ملقاة على الأرض والدماء منها تنزف بسرعة  فشاع الخبر بأن الملقى على الأرض فهو ماسح الأحدية بلا حركة بل لفظ أنفاسه جراء النزيف الحاد هاتف يرن بجيب الضحية .. تناوله الشرطي ..فرد عليه اذا بصوت خافت وبوشوشة معهودة عند رجال الشرطة مفادها أن المتصل هو الأب الحقيقي للطفل الذي تحمله المرأة بين أيديها وأن صاحب الهاتف هو المتحدث …وسرق هاتفه من طرف ماسح الأحدية …فهو بريء من كل وزر ومن كل ما ستنسبونه له فقط هناك تشابه في الاسم والبنية والقوام …وانقطع الاتصال يبدو أن الكل في ورطة ومأزق  وفي منظر مثير للشفقة تخلع المرأة معطفها وتلقيه على الجثة متحسرة…وتصيح بأعلى صوتها زعمت أنه هو  هو من تشيطن بي وجر علي كل هذه المتاعب..

[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى