أقلام حرة

كوفيد 19 من ووهان الصينية إلى البيضاء والحمراء المغربية: هلع أم سخرية

isjc

د.عبد الواحد أولاد ملود / باحث في الشأن العام

كان وداع السنة الماضية عن غير العادة، والعادة لها أعراف ضمن السوسيولوجية، فنهاية عام 2019 بمدينة ووهان بالصين الشعبية ظهر فيروس كورونا المعدي الذي كثر عنه الحديث، إذ تجاوز التعاطي لحيثيات ظهور هذا الفيروس أصحاب الاختصاص من الأطباء وعلماء التغذية ليأخذ حيزه من علماء الدين والسياسة والبيولوجية والأنتروبولوجية. فمنهم من صنفه عقاب إلهي، والآخر مؤامرة سياسية اقتصادية، والبعض الآخر منحه رتب الحرب البيولوجية…

مهما يأخذ هذا الفيروس من تصنيفات فلا أناقش دواعي ظهوره، قدر ما أقف عند مقاربة التعامل معه من شعوب العالم بين من هم خائفون والآخرون يعبرون عن خوفهم الدفين بالسخرية والبسط، وهناك من يوظفون كل الوسائل سواء الإعلامية أو غير الإعلامية للتوعية بخطورة مثل هذه الأزمات، وتثقيف المجتمع ومنحه مناعة نفسية اتجاه ظهور مثل هذه الأمراض… وهناك من لا يكترث لشعوبه ويبقى إعلام هذه الشعوب على مر الزمن يناقش التفاهة تلو الأخرى ويركز على نشر الفضائح والمسلسلات التركية والمكسيكية والبرازيلية…

قد يقول قائل وما أكثرهم أن الصين الشعبية ستتأثر كغيرها من إيران وإيطاليا، بمثل هذه الأزمات، ولكن واقع الأمر أن هذه المحنة قد تنقلب إلى منحة على صيرورة هذه الدول على المدى المتوسط أو البعيد، في حين أن تعاطي الدول العربية مع هذا الفيروس وأخص بالذكر هنا الشعب المغربي، الذي صادفنا في الآونة الأخيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي نشر العديد من الفيديوهات القصيرة أغلبها ذات طابع كوميدي اتجاه كوفيد 19 بعضها تصنف المغربي أخطر من الفيروس، والبعض الآخر تذهب إلى رفع شكاوى هذا الفيروس ضد المغاربة، وفي هذا المجال الكثير ما يحدث هذا الأخير …

ففي اعتقادي وقياسا على ما عشناه ونعيشه فهناك ثلاثة أطروحات في هذا الصدد:

  • تتمثل الأطروحة الأولى أن طبيعة المجتمع المغربي في التعامل بسخرية مع مثل هذه الأحداث متجدرة في عمق التاريخ، أتبثها الواقع المعاش للمغاربة بسبب تفشي أمراض معدية على غرار الطاعون وغيره، إذ عند ظهور مثل هذه الأوبئة اءيتجمع المواطنين بأماكن للترفيه عن بعضهم البعض، وقراء ما يصطلح عليه “باللطيف في المساجد” لدرء الوباء ويسود التكافل والتعاون بينهم تحسبا لتفاقم المرض، وربما هذا الإرث المجتمعي مازال سائدا حتى اليوم رغم مرور فترة ليست بيسيرة.
  • في حين تتجلى الأطروحة الثانية كون المواطن المغربي عان ولازال يعاني من تبعات الوضع السياسي الذي انعكس سلبا على مجالات عديدة أهمها المجال الصحي، حيث أصبح هذا الأخير لا يستجيب لمتطلبات المواطن الذي يصادف في كل لحظة حالات صحية صعبة أمام المستشفيات وفي الشوارع والأرياف، ويعاين عن قرب الوضع الصحي الهش، إذ تكونت لديه قناعة أن هناك ما يعانيه المغرب أكثر من فيروس كورونا وغيره، بل يتجاوز الأمر خطورة هذه الأوبئة، وهنا يمكن تفسير سخرية المغاربة ضمن هذه الأطروحة إلى اتجاهين أساسيين:

الاتجاه الأول: يمكن القول، إن المواطن المغربي تكونت لدى اعتقاداته مناعة للأمراض والأوبئة، وبالتالي ليس لديه ما يخسره، ويمكن تشبيه ذلك بفريق لكرة القدم المنهزم في الذهاب والإياب، وأصبح يلعب الكل في الكل غير مكترث بالوضع المستقبلي، ر سخرية المغاربةحيث أصبت المعانات والموت جنبا إلى جنب في عقله الباطني… وعلى هذا الأساس وجب التمييز بين المواطن المغربي البسيط والعادي والمواطن المغربي الذي يتمتع برفاهية الحياة وهنا نقاش آخر،

أما الاتجاه الثاني فتعتبر سخرية المغاربة من مثل هذه الفيروسات المعدية تعبيرا عن خوف عميق تنعكس عنه السخرية لاستمرارية العيش، وهنا يجد المغربي غيره من الدول النامية نفس بين مفترقين: مفترق الخوف الذي يغطي عقله الباطني لاعتبارات التردي الصحي وهشاشة المجتمع، وكذلك مفترق السخرية التي تغذي إلى حد ما العقل لتجاوز ذلك الخوف المتجدر…

  • أما الأطروحة الثالثة فيمكن أن نصنف هذه السخرية ضمن وسائل التوعية البديلة نظرا لفشل النخب بمختلف مكوناتها في حث المواطن المغربي على مواجهة هذا الفيروس، وكذلك تعويض التواصل الإعلامي الفاشل في المساهمة لتثقيف المغاربة، ومنحهم مناعة نفسية وثقة لمواجهة مثل هذه الأوبئة…
    إن ظهور كورونا في المغرب سينعكس عنه لا محال ثقل أكبر على المنظومة المجتمعية، فالمتتبع لهذه الظاهر يسجل ملاحظة مهمة وهي الانتقال من سخرية المغاربة من عدوى هذا الفيروس إلى هلع وخوف، نظرا ليقين جل المواطنين من هشاشة منظومتهم الصحية من ناحية، ومن ناحية أخرى وأمام اتخاذ الدول الحاملة لهذا الوباء والتي على الأقل نجحت إلى حد ما في توفير متطلبات السكان بالأماكن التي يغزوها الوباء وتوفير حصاره والحماية لهم… تبقى أكثر من علامة استفهام بخصوص تفشي الظاهرة بشكل كبير داخل المجتمع المغربي لقدر الله، في ظل منظومة سياسية تعتمد فن الخطاب أكثر من التدبير، لتبقى الأخبار الزائفة والسخرية سيدة الموقف لسد النقص الحاصل لاسيما مع تطور تقنيات التواصل الاجتماعي، فمن بين أسس الخروج من الأزمة هو فن إدارتها والاستثمار فيها، وهو الأمر التي تطمح إليه أغلب دول العالم، لكن هذه الإرادة تواجه بنوع من الإلحاد من كافة نخبنا وللأسف الشديد

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى