أقلام حرةفي الواجهة

فلسفة الاستغفار وأثرھا في التنمیة الاقتصادیة

isjc

* المھدي الصالحي

الاستغفار إقرار واعتراف بالذنب أو الخطإ، وعزم على عدم العودة إليه، وطلب للعفو والصفح من الله تعالى. وھو خلق من أخلاق الأنبیاء علیھم السلام. ویستغفر الإنسان ربه فور وقوعه في الذنب، أو عندما یتنبه لذلك، أو عند اشتداد البلاء أو حینما یرید النوم أو عند السحر وفي كل وقت وحین.

وله صیغ كثیرة یرتبط أغلبھا باستغفار الأنبیاء، أو ما ورد عن رسول الله صلى الله علیھ وسلم كقولنا : “رب اغفر لي وتب علي إنك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا یغفر الذنوب إلا أنت” أنت التواب الرحیم”. أوما ورد عنه علیه السلام في سید الاستغفار : “اللھم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عھدك.

والمتأمل في آیات الاستغفار في القرآن الكریم، یجد أن للاستغفار معان تربویة جلیلة تدفع صاحبھا إلى العمل والتخطیط والاعتماد على النفس مستعینا بالله عز وجل، كما أن له آثارا جمة في التنمیة الاقتصادیة بشتى أبوابھا.

وقبل التطرق إلى نتائج الاستغفار السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، یجدر بنا أن نفصل قلیلا في فلسفة الاستغفار، كأخلاق وقیم تربویة وعملیة في الآن ذاته.

فلسفة الاستغفار، أخلاق وقیم

إن مفھوم الاستغفار یتضمن في ذاته معان لقیم وأخلاق عملیة إجرائیة، فضلا عن معانیه التربویة والنفسیة.

إن المداومة على الاستغفار، تحقق وزنا للعامل الذاتي للإنسان بمعرفته بعیوبه وأخطاءه، واستجلاء مكامن التحدي والتغییر في شخصیته. وھو اعتراف بالذنب والخطأ، وطلب للصفح والعفو، وعزم على عدم الرجوع إلى الزلل.

وھو تواضع وتذلل بین یدي الخالق الواھب الرزاق، یدفع العبد إلى الذكر والدعاء والتبتل وقیام اللیل طلبا للمغفرة.

وھو اجتھاد عملي بما ھو تقویم وتقییم لعمل الیوم واللیلة، فإن وجد الإنسان خیرا حمد الله، وإن وجد غیر ذلك استغفر الله وعزم على بذل المزید من الجھد في ما یستقبل من الأیام. وإن النوم على أفضل العزائم والیقین فیما عند الله وفي الفرج القریب، یقتضي إعداد خطط المستقبل القریب والمتوسط والبعید، حتى نجتنب الوقوع من جدید في الأخطاء والآثام. كما أن الاستغفار یشعرك بوحدتك وضعفك أمام جلال الله وعظمته، فیصبح اعتمادك على النفس وترك التواكل على الغیر فضیلة أخرى، ترسخھا الاستعانة بالله والركون إلیه.

أثر الاستغفار في التنمیة الاقتصادیة

علمنا رسول الله صلى الله علیه وسلم أن الله تعالى جعل لنا أمانان في الدنیا، أحدھما رسول الله، والآخر ھو الاستغفار، فإن رفع الأول بقي الثاني. وجاء تأكید ذلك في قوله تعالى : “وَمَا كَانَ اللهَُّ لِیُعَذِّبَھُمْ وَأَنْتَ فِیھِمْ وَمَا كَانَ اللهَُّ مُعَذِّبَھُمْ وَھُمْ یَسْتَغْفِرُونَ”.

فالاستغفار إذن أمن وأمان للأمة الإسلامیة على مر العصور، إن أحسنا الرجوع إلیه والعمل بمقتضیاته. وقد وعدنا الله عز وجل في آیات عدیدة إن نحن فعلنا ذلك، أن یوفر لنا الأمن بأنواعه المختلفة، كالأمن السیاسي، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي بما یشمله من أمن غذائي وأمن مائي.

ویتجلى توفیر الأمن السیاسي في تیسیر عمارة الأرض بالشورى والبناء والتقدم (ھُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِیھَا فَاسْتَغْفِرُوهُ)، والقوة والتمكین (وَیَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)، والقوة العددیة (وَیُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِینَ).

كما تظھر ثمار الاستغفار في الأمن الاجتماعي، رحمة للكائنات والمخلوقات (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللهََّ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وارتفاعا للجرائم وخلوا للمجتمع الإسلامي منھا (وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ)، وأمنا من العذاب والعقاب في الدنیا قبل الآخرة (وَمَا كَانَ اللهَُّ مُعَذِّبَھُمْ وَھُمْ یَسْتَغْفِرُونَ)، ومتاعا حسنا من الأزواج والذریة الصالحة (یُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجلَّ مُسَمًّى).

أما تجلیات الأمن الاقتصادي فیفصلھا الله تعالى في عمومھا، فضلا منھ سبحانه في التجارة والصناعة وطلب الرزق (وَیُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه)، وبركة في الأرزاق (وَیُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِینَ)، وفي خصوصھا في الأمنین الغذائي والمائي، وھما أساس الحروب والمدلھمات في ھدا العصر. فأما الامن الغذائي ففي قوله تعالى (وَیَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بما تضمه من أنواع الثمار والخیرات التي تخرجھا الأرض فیتغذى علیھا الإنسان والدواب بأنواعھا. وأما الأمن المائي ففي قوله سبحانه (یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْكُمْ مِدْرَاراً) وقوله (وَیَجْعَلْ لَكُمْ أَنْھَاراً).

من خلال ما سبق تتبین لنا أھمیة الاستغفار الفردي (اللھم أنت ربي) والجماعي (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْه)، في توطید قیم الخیر والصلاح للفرد المؤمن وقیم التمكین والقوة للمجتمعات البشریة، فالاستغفار مفھوم جامع لمعان عدیدة من الخیر وھو حبل نجاة ممدود من الله تعالى في كل وقت وحین لمن أراد الحیاة الطیبة في دار الدنیا ودار الآخرة.

باحث في مجال التنمیة والمالیة الإسلامیة*

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى