أقلام حرةفي الواجهة

في اليوم العالمي للأرشيف .. الصحافة و الأرشيـف

isjc

بقلم : عزيز لعويــسي

أصدر “المجلس الوطني للصحافة” في وقت سابق، تقريرا مرحليا رصد ما شاب الممارسات الإعلامية من خروقات ماسة بأخلاقيات مهنة الصحافة في ظل حالة الطوارئ الصحية، وهي خروقات متعددة الزوايا، وصفها التقرير بالمتعددة و المعزولة، تباينت بين نشر صور لأشخاص خاضعين للفحص، وربط للفيروس التاجي بنظرية المؤامرة دون أية أدلة علمية، والمجازفة في وضع عناوين حاملة للإثارة لا تتناسب والمضامين المقدمة، وإصدار أحكام القيمة، وربط علاج الوباء العنيد بالأعشاب الطبيعية، والسطو على الأخبار، وعدم تقديم الاعتذار بخصوص الأخطاء المرتكبة، وانتهاك الحق في الصـورة والحياة الخاصة … إلخ، وهي خروقات، ليست وليــدة هذه الظرفيـة الخاصة والاستثنائية المرتبطة بجائحة “كورونا”، بل هي امتدادا لما اعترى ويعتري واقع الممارسة الصحفية من الممارسات “غير المهنية” والمشاهد “غير الأخلاقية” بعد مضي حوالي سنة من اعتماد ميثاق أخــلاقيات مهنة الصحافة، في غياب الرادع القانوني أو التأديبي.

وتزامن التقرير الصادر عن مجلس الصحافة مع “اليوم العالمي للأرشيف” الذي يصادف التاسع من شهر يونيو الجاري، يقتضي توجيه البوصلة نحو ما أنتج وينتـج من قبل مختلف وسائل الإعلام (السمعية، البصرية، الورقية، الإلكترونية) من إنتاج أرشيفي، نجزم أنه يكتسي أهمية بالغة، لاعتبارات أربعة: أولها: لأنه يشكل مرآة عاكسة للممارسة الإعلامية في زمن جائحة عالمية أربكت كل العالم، بكل ما اعترى ويعتري ذلك من انزلاقات مهنية وأخلاقية، ومن مشاهد المسؤولية والاجتهاد والإبداع والابتكار، ثانيها: لأنه يوثــق لمدى نجاعة أو عدم نجاعة تصرفات نساء ورجال الإعلام في هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، ثالثها: لأنه يسمح بمساءلة أدوار وتدخلات المجلس الوطني للصحافة، ومدى قدرته على فرض احترام ميثاق أخلاقيات المهنة، لحماية المجتمع من تجاوزات الإعلام في زمن الوباء، رابعها: لأن كل ما أنتج من أعمال وتصرفات أرشيفية، يمكن استثمار معطياته لاحقا، في تكوين قاعدة بيانات، من شأن حسن تدبيرها وتشخيصها، أن يساهم في التأسيس لإعلام متخصص في الأزمات والنكبات وحالات الطوارئ الصحية والمخاطر المحتملة.

وإذا كان المجلس الوني للصحافة قد أعلن عبر تقريره المرحلي أنه “سيضع خارطة طريق لتطوير الممارسات الإعلامية خلال الظروف الاستثنائية”، فإن خارطة طريق بهذا الحجم، لا يمكن أن يتم تنزيلها، إلا عبر “مساءلة ما وقع”، وبصيغة أخرى، عبر تشخيص أمثل لما أنتج الإعلام الوطني من ممارسات ومن تصرفات أرشيفية، سواء تعلق الأمر بالصحافة السمعية البصرية (قنوات تلفـزية، إذاعات عمومية، إذاعات خاصة) والصحافة الورقية التي ارتمت على مضض في الحضن الإلكتروني، والصحافة الإلكترونية، ولا يمكن قطعا، تحقيق هذا المسعى، إلا بالعودة التي لا محيد عنها لما أنتج من “أرشيف”.

أرشيف متعدد المرايا، يمكن من خلاله، رصد واقع حال المنظومة الإعلامية الوطنية بكل مستوياتها، وتتبـــع ما اعتراها من منزلقات مهنية وكبوات أخلاقية، وما ميزها من مشاهد القوة والتميز والإبــداع، كما يمكن من خلاله، تشخيص طبيعة الخروقات الماسة بميثاق أخلاقيات المهنة، التي حضرت بقوة في ظل الجائحة، بل أكثر من ذلك، يمكن من خلال هذا الأرشيــف الإعلامي “الكوروني” مساءلة ما صدر عن الدولة من قـــرارات تدبيرية وما اعتراها من نجاعة وإخفاق وقصور ومحدودية، ورصد ما صدر عن المجتمع والأفــراد من تصرفات في بعديها الإيجابي (التضامن، التعاضد، التعاون) والسلبي (الإشاعات والأخبار الزائفة، خرق حالة الطوارئ، العبث، التراخي …) وتشخيص ما قدمته الصحافة بمختلف منابرها من “مضامين” على مستوى الجودة أو الرداءة، وقبل هذا وذاك، توجيـه البوصلة بأكملها نحو واقع المنظومة الصحية، ومدى قدرتها على مواكبة الحرب الشرسة ضد الفيروس التاجي (الأسرة، التحاليل، المختبرات، القدرة على تتبع المخالطين، الوسائل والمعدات الطبية، التواصل … إلخ).

وعليـه، واعتبارا لهذه القيمة المتعددة الأبعاد، فكل المنابر الإعلامية، مطالبة بحسن تنظيم وحفظ ما راكمته من أرشيف خلال هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، ليس فقط لاستثمار معطياته لتجويد واقع الممارسة والإسهام في التأسيس لإعلام الأزمات، بل لأنه يعد جزءا لا يتجزأ من الإنتاج الأرشيفي الذي كونته مختلف الإدارات، والذي يعكس واقع حالنا كدولة ومجتمع وأفراد وإعلام في زمن الجائحة، التي ستبصم تاريخنا الراهن وتاريخ العالم، وبالطبــع، لا يمكن فتح أي نقـاش بشأن “أرشيف كورونا” بمعزل عن المؤسسة الوصية على “الأرشيف العامة” (مؤسسة أرشيــف المغرب)، التي لابد أن يكون لها “موضع قدم”، في كل ما ينتج أو يكون من أرشيفات من باب تقديم المشورة والخبرة، بشكل يسمــح بتدبير وحفظ أمثل لأرشيف هذه المرحلة الخاصة والاستثنائيــة، وإذا كانت مهامها وتدخلاتها، تهم بالأسـاس “الأرشيف العامة” التي تنتجها الإدارات والمؤسسات والهيئات العامة، فنــرى أن سلطتها تمتد لتشمل كل ما أنتج من أرشيف، ونخص بالذكر “الإعلام” و”المجتمع المدني”، بشكل يساعد على تكوين رصيد أرشيفي “نوعي” (خاص بالأزمات) متعدد الزوايا، يشكل مرآة عاكسـة لنبض الدولة والمؤسسات العامة والخاصة والمجتمع والأفـراد والإعلام …إلخ، تتحقق معه غايات التغيير والتحول والتحديث، والمرور الآمن نحو المستقبل بــرؤى رصينة ومتبصــرة …

وإذا انطلقنا في بداية هذا المقال عبر بوابـة التقرير المرحلي الصادر عن المجلــس الوطني للصحافة، فنختم بالإشارة، أنه وقبل إشهــار سـلاح التأديب أو ترتيب الجزاءات القانونية في حق المخالفين، أو الرهان على تكثيف اللقاءات مع الجسم الصحفي لتثبيت الكفايات المهنيـة والأخلاقية، أو الإعــلان المبكر عن خارطة طريق للتأسيـس لإعلام الأزمات، لابد أولا، من تشخيص ما حصل على مستوى الأرقام والمعطيات والخروقات والإكراهات والعوائق والمضامين، لوضــع خطط ناجعة واستراتيجيات مهنية توقعية واستشرافية، تسمح بالارتقاء بواقع الممارسة الصحفية على مستوى المضامين والقيم والأخلاق، بعيدا عن التقارير الحاملة لمفردات الحماسة أو الدعاية أو حب الظهــور، ولتحقيق هذه الغايات المشروعـة، لابد من المرور عبر بلاط الأرشيـف، وقبل ذلك، لابد من الإيمان بأهمية الأرشيف كقيمة تاريخية وتراثية وهوياتية وعلمية وحقوقية وحداثية واستراتيجيــة …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى