في الواجهةكتاب السفير

عيد و جائحة

isjc

* بقلم : عزيز لعويـــسي

يحل عيد الأضحى المبارك على المغرب كغيره من البلدان الإسلامية، في ظروف غير الطروف وطقــوس غير الطقــوس، أو على الأقل في طقــوس باردة، غابت فيها صــلاة العيد وصلاة الجمعة، وتراجعت فيها درجة حرارة الفرحة والسرور التي عادت ما تسبق قدوم هذا العيد المبارك السعيد، إنها سلطة “كورونا” التي لم تترك دولة إلا وأحرجتها، وقطاعا إلا وأربكته، ولا مناسبة إلا وعبــثت بأوراق طقوسها وعاداتها، ولا فرحة، إلا وساهمت في تذويب جليدها .

مناسبة دينية فقدت الكثير من الإشراق واللمعان في ظل جائحة باتت كالعاصفة الهوجاء التي تركــت وراءها مشاهد من الخراب والدمار والقسوة والبــؤس والقلق والإحباط وانســداد الأفق، بعدما أوقفت قهـرا عجلة الحيــاة الاقتصادية وكبحت جماح الكثيــر من الأنشطة المهنية والخدماتية، مما كان له كبير الأثر على النسيج الاجتماعي، وتحديدا على الكثير من الأسر الهشـة التي يرتبط مصيرها بالقطاع “غير المهيكل” الذي زادته الجائحة الكورونية تأزما وهشاشة.

ومناسبة عيد الأضحى المبارك، لن تكون بالنسبة للبعض، إلا مرادفة للألم والشكوى والرفض والمعاناة وفقدان الثقــة، ونخص بالذكر كل من فرضت عليه الظروف التواجد في صلب “ليلة الهــروب الكبير”، حاملا هم قضاء عطلة العيد رفقة الأسرة والأهل والأحباب، عقب قرار مشترك “فجائي” صادر عن وزارتي الداخلية والصحية، نزل كالأمطار الرعدية التي لم يكن أحد يتوقعها، وإذا كان البعض قد أفلح في الوصول إلى وجهته بمشقة وألم، فالبعض الآخر، تقطعت به السبل، فلا هو غادر إلى وجهته المقصودة ولا هو عاد إلى مكان إقامته، ليبقى عالقا بالمحطات الطرقية في انتظار سفر بات حلما أقرب إلى الســراب، أما الليلة الكبرى، فقد كانت بالنسبة للبعض مناسبة لتوديــع الحياة على مضض بسبب حوادث سير متفرقة، اعتبارا لحالة الفوضى والازدحام التي كانت العديد من المحاور الطرقية مسرحا لها في ليلة ليست ككل الليالي.

العيد الكبير بالنسبة للبعض، هو إحراج ما بعده إحراج واصطدام مباشر بالزمن الصعب، فالجائحة ضربت بقوة في الأوساط التي تحضر فيها مفردات الفقر والبــؤس والهشاشة، فكان من الطبيعي أن يظهر ضحايا أخرجتهم كورونا من جحر المعاناة المستدامة، ولم يجدوا بديلا عن التسول في المقاهي وعند أبــواب المساجد والأسواق الأسبوعية والشعبية، سعيــا وراء مدخول مالي، قد يسعفهم في شــراء أضحية العيد من أجل أطفال لاحول لهم ولا قوة، لا يقبلــون بأي عذر أو مبـرر، ســوى الوقوف أمام “الحولي” والتعبير أمامه عن أحاسيس الفرح والسرور، في مناسبة دينيــة زاغت طقوسها عن السكة، وباتت هرولــة سنوية نحو الأكباش والعطارة والأسواق، وفرصة بالنسبة للبعض، لممارسة لعبة التباهي واستعراض العضلات، باقتناء أكباش بأثمنـة عصية على الفهم والإدراك، في مناخ من الأنانية وحب الذات، تراجعت في أجوائه قيم التضامن والتعاضد والتآزر والتكافل والتضحية والصدقة والإحسان والإقبال على الخيرات والصدقات، وغير ذلك من القيم الدينية والإنسانيـة.

على المستوى الوطني، يتزامن عيد الأضحى المبارك بالذكرى الواحدة والعشريــن لعيد العرش المجيد، وهو تزامن يفرض استحضار القيم الدينية والوطنية التي تطبع ما يجمعنا من مشترك وطني وتاريخي وتراثي وهوياتي، التي بات استرجاعها والتقيد بها، فرصتنا لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية ذات الصلة بجائحة كورونا التي أربكت الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وفرضت واقعا مقلقا، يستدعي التعبئة الجماعية والتحلي بقيم المواطنة وروح المسؤولية، ليس فقط للتصـدي للتداعيات الجانبية للأزمة الوبائية المربكة، بل والتأسيس عليها، بما يضمن كسب رهانات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وفق خطة استشرافية شمولية متعددة الأبعاد، حدد خطاب العرش معالمها الكبــرى.

وهي خطة تتأسس على ركيزتين، تمر الأولى عبر إنعاش الاقتصاد الوطني عبر عدة تدخلات منها، ضخ حوالي 120 مليار درهما في الاقتصاد الوطني ( ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، وإحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي لتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى في القطاعين العام والخاص، والإسراع بتنزيل إصلاح عميق للقطاع العام وللمقاولات العمومية بما يضمن الرفع من فعاليتها ونجاعتها الاقتصادية والاجتماعية وإحداث وكالة وطنية لمواكبة أداء المؤسسات العمومية، فيما تتأسس الركيزة الثانية على إعادة تشكيل منظومة الحماية الاجتماعية التي أبانت جائحة كورونا مدى هشاشتها ومحدوديتها، عبر عدة آليات منها، تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة خلال خمس سنوات القادمة بشكل تدريجي ابتداء من يناير 2021، وتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، وإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والصحي … وهي تدخلات من ضمن أخرى، بقدر ما جاءت كحل أو حلول موضوعية لتجاوز آثار الأزمة الكورونيـة، بقدر ما تضـع المغرب على سكة مشاريع إصلاحية واجتماعية، من شأنها أن تعطي نفسا للفعل التنمــوي، في أفق وضع خارطة طريق “النموذج التنموي المرتقب” غضون مطلع السنة القادمة.

على المستوى العربي والإسلامي، يحل عيد الأضحى في أجــواء كورونا التي فرضت على السعودية اتخاذ قرار إقامة الحج لهذه السنة بأعـداد محـدودة جدا من شتى الجنسيات من الموجودين بالمملكة، عدا ذلك، فواقع الحال لا يسر الناظرين، فمشاهد النفـور والتباعد والتفرقة والشتات والعناد والصـدام، لازالت تحكم قبضتها على عالم إسلامي لم يعـد يسمع له صوت أو كلمة في عالم التكتلات والأقطاب والمصالح، وعالم عربي، بات “مفعولا بــه” وحقلا للتجارب وصراع الأقطاب الإقليمية والدولية، في ظل مناخ عربي قاحل في الطبيعة كما في السياسة، لا صوت يعلو فيه على صوت النعرات والقلاقل وإثارة الفوضى وافتعال النـزاعات، بشكل صنــع واقعا عربيا أشبه ما يكــون بالدمية التي يتم التحكم في حركاتها وسكناتها واختياراتها “عن بعد”، في زمن، ذاب فيه جليد الوحدة والتكتل والدين والعروبة والتاريخ والجغرافيا والمصير المشتــرك، فمن العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى اليمن، من السعودية والإمارات إلى قطـر وإلى ليبيا، ومن الخليج إلى المحيــط، غابت الوحدة وحضرت التفرقة والشتات، واختفى التضامن والتعاون المشترك، وتقوت شوكة إثارة القلاقل والدسائــــس وإشعال الفتن والأزمات، عدا رسائل وبرقيات تهاني يتبادلها قادتنا وزعماؤنا في كل مناسبـة دينية ووطنية، غارقة في أوحال المجاملة والإثــراء و”النفاق الناعم”… عسى أن تشرق شمس وطن عربي وإسلامي، تعطي للعروبة معنى وللمشترك الديني مغــزى، وفي انتظار ذلك، لا يسعنا إلا نستغل مناسبة العيد وذكرى عيد العرش المجيد، لنتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريك لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، متمنيين له دوام الصحة والعافية، وللشعب المغربي بموفور الأمن والطمأنينة والرخاء، ولأمتنا العربيـة والإسلامية بلم الشمل ووحدة الصـف، لما فيه خير وصلاح للإنسانية جمعاء، إنه سميع مجيب لكل الدعـوات …

[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى