في الواجهةكتاب السفير

إلى الكاتب أحمد عصيد !

isjc

* الصادق بنعلال

قد أختلف معك في الرأي لكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك: فولتير

 1 – أستأذنكم السيد عصيد في أن آخذ قسطا من وقتكم لأطلعكم عن وجهة نظري المتواضعة إزاء موقفكم من مطلب غالبية المواطنين المغاربة، بتنفيذ عقوبة الإعدام على من ارتكب جريمة القتل في حق الطفل المغربي عدنان بوشوف. لا أخفي أنني متابع منتظم لمقالاتكم التي تخصصونها للتعاطي مع قضايا الوطن و الإنسان، كما لا أخفي أيضا أنني أشارككم مجموعة من القناعات و المبادئ و القيم الكونية ذات الصلة بالمشترك البشري الرفيع، لا بل إنني أثمن كل مساعيكم و نداءاتكم المتواصلة من أجل اجتراح تجارب سياسية حديثة في “العالم العربي”، تمتح من معين الديمقراطية المتعارف عليها أمميا، حيث التنافس السلمي على الحكم بين هيئات / أحزاب سياسية وطنية، في استحقاقات جماعية و برلمانية دورية نزيهة، و الفصل بين السلطات و استقلال القضاء و الإعلام، و احترام مسؤول لفصول و أصول الدستور و باقي القوانين المنظمة للحياة المجتمعية في بلادنا.. كل ذلك بهدف بلورةٍ ماديةٍ ملموسةٍ لنسق سياسي مدني بحصر المعنى؛ يضمن للأفراد و الجماعات الاستمتاع بالقيم الإنسانية السامية من قبيل العدالة و المساواة و الكرامة و حرية التعبير عن الموقف و السلوك و المعتقد، تماشيا مع أرقى نماذج التجارب الدولية الناجحة.

2 – إلى هنا السيد عصيد أخال أننا نتقاسم نفس الرهان و ذات المبتغى في رؤية مغرب الغد، مغرب التقدم و الازدهار و التنمية الشاملة، لكنني أود في الآن عينه أن أعبر عما “يفرقنا” و ليس في الأمر عيب أو خلل أو نقيصة، فمتى كان الاختلاف في الرأي يفسد القضايا و يعكر نقاء المياه الصافية؟ إن ما يجعلني أختلف معكم أحيانا في النظر و التحليل و الاستدلال.. هو أنني لا أرى في العروبة و الإسلام أي عرقلة أو حاجزا في طريق الرقي نحو الأفضل، صحيح عالمنا العربي و الإسلامي يدمي القلوب من حيث تفسخه و انقسامه و اقتتاله الداخلي و تخلفه السياسي و العلمي و العسكري.. لكنكم تدركون السيد عصيد أن تراثنا الحضاري و نصوصنا الدينية الصريحة مليئة بكل ما يحيل على مستلزمات الحياة الإنسانية الكريمة، و أن الإشكال في الاستبداد السياسي الذي انطلق منذ البدايات الأولى “للنظام السياسي العربي”، و أكاد أقول بأن الصراع على السلطة السياسية، منذ الخليفة الثالث عثمان بن عفان كان و مازال سببا محرقيا في عجزنا “الغرائبي”، عن الخروج من قوقعة التحكم إلى أفق التحرر و الانطلاق نحو البناء الحضاري السليم، و لستم في حاجة إلى أن أذكركم بعدد هائل من رجال الفكر و المعرفة العرب الذين برهنوا عن صدقية هذا التصور، أقلهم الشيخ محمد عبده و جمال الدين الأفغاني و قاسم أمين و عبد الرحمن الكواكبي و عباس محمود العقاد و أنور عبد الملك و زكي نجيب محمود و حسن حنفي و محمد عاد الجابري و محمد أركون و هشام جعيط وعبد الله العروي و طه عبد الرحمن.. لم يصدر عن هؤلاء المفكرين المحترمين؛ أصحاب المشاريع التنظيرية الضخمة ما يقلل من شأن الإسلام كدين سماوي رفيع، جاء ليخرج الناس من الفساد و الاستبداد إلى الصلاح و الحرية و العدالة.

3 – لذلك أخي عصيد أدعوكم و من خلفية وطنية إنسانية صادقة إلى أن نشتغل سويا من أجل وطن نحبه جميعا، بعيدا عن التطرف و الاستئصال و العنف و الإرهاب يمينا و يسارا، وطن يجمعنا و لا يفرقنا نسعى إلى أن ننشر في أرضه الزكية  ما طاب و حلا من قيم التسامح و التآزر و الأخوة و المحبة، و نقف في وجه كل من سولت له نفسه أن يعبث بحاله و مآله، مستندين في هكذا مسعى نبيل إلى متطلبات الفكر الحداثي الكوني المنفتح، و أبجديات المعطي الوطني و قيمنا الأمازيغية و العربية و الإسلامية العظيمة، و في الأثناء وجب الذي يجب ؛ و جب احترام القانون المغربي الذي يقر بعقوبة الإعدام في حق من ارتكب خطيئة القتل العمد، ما دام لم يحدث أي تغيير في مواده ذات الصلة بالموضوع المعني بالأمر، و نواصل مجتمعين مسيرة الاجتهاد و التحليل في المجالات كلها؛ الدينية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية، مسلحين بمستلزمات الفكر النقدي العقلاني الرصين و الوعي الديمقراطي الراجح، و لكم مني أخي أحمد واسع النظر ! 

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى