في الواجهةمجتمع

منتدى الزهراء للمرأة المغربية يناقش بالرباط مذكرته الاقتراحية للحد من تزويج القاصرات

isjc

السفير 24

نظم منتدى الزهراء للمرأة المغربية مؤخرا ندوة علمية بالرباط لتقديم ومناقشة مذكرته الاقتراحية للحد من تزويج القاصرات، بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان.

استهلت أشغال الندوة بكلمات افتتاحية ركزت على راهنية الموضوع الذي يتزامن مع تخليد الذكرى 16 لصدور مدونة الأسرة، وهي مناسبة لتقييم حصيلة تطبيقها العملي وما أفرزه من اشكاليات من بينها تزويج القاصرات .

وفي هذا السياق أوضحت رئيسة المنتدى السيدة عزيزة البقالي أن المذكرة تعكس قناعة المنتدى بأن محاصرة تزويج القاصرات تحتاج إلى مقاربة شمولية تستحضر الجانب الاجتماعي والاقتصادي وتركز على المدخل التربوي، كما تستند أيضا إلى القانون لأجل التأطير البيداغوجي المرحلي لهذه الممارسة المجتمعية في أفق إنهاءها.

وأضافت أن مذكرة المنتدى تضمنت جملة من المقترحات لتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة بهدف إحاطة زواج القاصرات بكل الشروط والضمانات التي تبقيه في نطاق الاستثناء، كما طالبت الجهات الوصية بالعمل على مصاحبة المقاربة القانونية باعتماد سياسة أسرية ناجعة تركز على إعادة الاعتبار للأدوار الأسرية، وتأهيل مكونات الأسرة، وضمان سياسة تعليمية تصون حق الفتيات في التعليم الأساسي، وكذا استكمال مسارهن الدراسي بالإعدادي والثانوي، مع مناشدتها لضرورة الانخراط المسؤول للمؤسسات الإعلامية في نشر الوعي بحقوق القاصرات.

وفي جلسة القراءات المتقاطعة لمضامين المذكرة اعتبر الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب والباحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن أن “ما يجعل تزويج الطفلات اشكالا مطروحا بقوة كموضوع على مائدة النقاش العمومي، هو كثرة المشاكل المترتبة عن هذا الزواج، والتي تترجم لاحقا في ملفات طلاق أو تطليق أو نفقة أو شكايات الطرد من بيت الزوجية أو عنف زوجي أو اهمال اسرة أو زنا المحارم..، مما يؤكد هشاشة الاسر المبنية على عقود زواج احد طرفيها قاصرا، وخاصة الزوجة”، وأضاف ان هذه الظاهرة تكون في الغالب الاعم مغلفة بأسباب الفقر والاقصاء والتهميش، كما أن الدافع وراءها لا يكون بالأساس هو تكوين أسرة وانما قد يكون الهروب من الفقر أو اليتم أو تحسين الوضع الاقتصادي، أو البحت عن شخص يتولى رعاية والدي الزوج، أو القيام بالعمل المنزلي، أي أن عقد الزواج يختلط بعقود أخرى كعقد العمل المنزلي..

مؤكدا أنه: “توجد اليوم مقاربتان على الصعيد الوطني، الاولى تروم منع زواج القاصرات بإلغاء الاستثناء وتثبيت القاعدة، ومقاربة ثانية تروم الحد من الظاهرة بشكل تدريجي عن طريق تحديد سن ادنى للزواج وهو 16 سنة مع احاطة المسطرة بضمانات تهدف بالأساس حماية الطرف القاصر، موضحا أن مذكرة منتدى الزهراء اختارت المقاربة الثانية حيث اقترحت تقنين مجموعة من الممارسات الفضلى التي تقوم بها بعض المحاكم لتقييد زواج القاصر من قبيل التنصيص على اسم الخاطب في المقرر الصادر بالاذن بالزواج، حتى لا يتحول هذا المقرر الى شهادة تفيد صلاحية الطرف القاصر للزواج بشكل مطلق، وانما ينبغي ان يكون مقيدا بوضعيات وظروف تشكل محور البحت الاجتماعي مثل احترام التكافؤ في السن بين الزوجين، وان يكون الطرف الاخر عديم السوابق ويتوفر على القدرة المادية على انشاء اسرة .. مقترحا التنصيص على اعتماد البحث الاجتماعي المستند إلى مؤسسة المساعدة الاجتماعية، الى جانب الخبرة الطبية، والتنصيص على توقيع الخاطب الراشد على الطلب باعتباره طرفا في الدعوى، وكذا تحمله أداء مصاريف وضع الطلب والخبرة الطبية، كما دعا إلى اعتبار طلاق القاصر طلاقا تعسفيا .. مؤكدا في ختام مداخلته على أن إشكالية تزويج القاصرات هي بالأساس مسؤولية واضعي السياسات العمومية وينبغي ألا تخرج عن دائرة الاستثناء الضيق لأن الاصل في الزواج ابرامه بين راشدين يتحملان معا مسؤلية الأسرة الموضوعة تحت رعايتهما المشتركة.

وفي نفس السياق أكد السيد محمد الزردة رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة على ضرورة تحديد الاختصاص المحلي في طلبات تزويج القاصر، مع اسناد البت فيها لهيئة جماعية، واشتراط عدم تجاوز عمر الخاطب ضعف سن القاصر، مقترحا تمديد نطاق البحث الاجتماعي ليشمل أيضا أسرتي القاصر والخاطب على حد سواء، كما اقترح التنصيص على دور النيابة العامة في مجال إجراء بحث موازي للتحقق من مدى احترام البحث الاجتماعي للنقط القانونية والواقعية لأسرتي القاصرة والخاطب.

و انتقد الدكتور محمد الباكير أستاذ جامعي ومحام وعضو جمعية عدالة وحقوق التعاطي القانوني مع الموضوع، الذي يركز على مفهوم “القصور”، عوض تناوله من منطلق حماية الطفولة مما يفرض على المشرع اعتبارها مصلحة اجتماعية محمية. وفي هذا السياق انتقد مقترح تحديد سن أدنى للزواج في 16 سنة ودعا راسمي السياسات العمومية إلى تحمل مسؤوليتهم في اعتماد 18 سنة كسن أدنى والحزم في تنزيل المقترح، كما شدد على ضرورة تحديث تصور المجتمع المغربي لمفهوم الأسرة وللزواج والرقي بمنظوره للطفولة وتحقيق حمايتها.

وفي كلمتها رجحت المحامية بهيئة طنجة أسماء المودن الابقاء على الاستثناء بتزويج القاصرات حيث نبهت إلى أنها بحكم الممارسة المهنية وكذا الاحتكاك مع العديد من الحالات الواردة على مراكز الاستماع ترى أن اختيار القطع مع زواج القاصرات مرة واحدة قد يؤدي إلى ظواهر أسوء كالممارسة الجنسية خارج إطارها القانوني، وإنجاب الأطفال خارج مؤسسة الزواج وغيرها، ودعت إلى اعتماد التدرج في إنهاء تزويج القاصرات وتهيئ المجتمع لرفض هذا الزواج مبدئيا وواقعا.

ومن زاوية نظر شرعية مقاصدية أكدت الأستاذة مونية الطراز أن موضوع زواج القاصرات يحتاج إلى معالجةٍ قائمة على نظرٍ فقهي تجديدي من طرف المؤسسات الدينية الرسمية، بما يُفضي إلى ملائمة النصوص الشرعية مع متطلبات العصر الراهن، داعية هذه المؤسسات للأخذ بالمفهوم الحديث لزواج القاصر المرتكز على أهلية الرشد، وعدم التمسك بالمحدد القديم الذي يربط أهلية الزواج بالبلوغ.

ومن وجهة نظر علم الاجتماع أوضح الدكتور عبد الرحيم عنبي، في سياق مناقشته لمخرجات البحث السوسيولوجي الذي استندت عليه المذكرة، أن زواج القاصرات ليس قضية اجتماعية جديدة، ونبه إلى أن هذا القرار لا يكون غالبا قرارا فرديا حيث تتدخل فيه أطراف متعددة من الوسط العائلي والاجتماعي للفتاة، كما يرتبط بالنظرة الدونية للمرأة في بعض المناطق حيث يعتبر الزواج في بعض الأحيان تخلصا من العار، كما نبه في إطار البحث السوسيولوجي إلى أهمية البحث عن الطرف الثاني في زواج القاصر وهو الخاطب والإجابة عن سؤال لماذا يقبل الرجال وهم راشدون وقد يكونوا متقدمين في السن على الزواج بفتاة لم تصل إلى سن الأهلية؟

وجدير بالذكر أن المذكرة الاقتراحية موضوع الندوة تأتي كثمرة مباشرة لعمل بحثي وتشاوري تم إجراءه من قبل منتدى الزهراء للمرأة المغربية سنة 2019، والذي اهتم بتسليط الضوء على وضعية تزويج القاصرات، من خلال إنجاز دراسة قانونية عنيت بتحليل المقررات القضائية الصادرة في الموضوع على ضوء المقتضيات القانونية والتجارب المقارنة، بالإضافة إلى إجراء بحث ميداني سوسيولوجي بجهتي الرباط-سلا-القنيطرة، وبني ملال لاستقراء أسباب انتشار هذا الزواج وآثاره.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى