في الواجهةكتاب السفير

ما معايير و دوافع حسم تعيين عميد كلية الحقوق بالمحمدية: الكفاءة والنزاهة أم المقايضات والتوصيات…؟

isjc

* بقلم: ذ. المصطفى ساجد

بعد تماطل ممنهج لمدة تناهز خمس سنوات تم أخيرا تعيين عميد كلية الحقوق بالمحمدية في إطار المجلس الحكومي المنعقد يوم خميس 24 شتنبر2020. وبهذا التعيين تم الحسم في سنوات من التداعيات والإلغاءات والتواطؤات والتحقير،عمدا،لعمل اللجان المشرفة على المباريات وتجاهلها المصادقة من طرف أعضاء مجلس الجامعة، وإفراغ القانون الإطار رقم00-01 المنظم للتعليم العالي من محتواه الحقيقي وخاصة الفصل 20 الذي يؤطر مسطرة مباريات شغل منصب رئيس مؤسسة جامعية. لكن رغم حسم التعيين و سد الفرغ أتيرت مجموعة من ردود أفعال متباينة في أوساط الجامعيين و لدى الرأي العام، بحيث أن المعني بالتعيين (م. ش) كان مرتبا، ضمن اللائحة المقترحة على الوزير المعني بالقطاع ، في الرتبة الثانية بعد مرشحة (أ.ل) كانت مرتبة على رأس اللائحة. ذلك أن معايير التعيين المعتمدة لاقتراح وتعيين مرشح معين تبقى رهينة اللبس والغموض ومزاج ذوي الاختصاص،بحيث أن عمل تقييم وترتيب المرشحين من طرف اللجنة المشرفة ،بعد المصادقة عليه بمجلس الجامعة، يأخذ طابعا شكليا عندما يتعلق الأمر باختيار واقتراح مرشح معين من بين الثلاث المرتبين والتي هي مهمة موكولة للوزير المعني بالقطاع .

كما أشارت بعض المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تجاهل مقاربة النوع وإقصاء مرشحة مرتبة على قائمة اللائحة من طرف اللجنة المشرفة وتجسيد مسألة أن الأمر لا يعدو كونه رفع شعارات للاستهلاك والواجهة وتلميع الصورة في الحديث عن المرأة ومقاربة النوع.

مما تأكد بالملموس أن المنصب ذو حساسية سياسية ولا يعتمد فقط منطق الكفاءة والنزاهة والترتيب والمصداقية، بل أن عوامل أخرى تؤثر في  مسألة حسم التعيين ،كالولاء وتسديد الخدمات للجهات المعنية بالاقتراح والتعيين ، التقرب من الأحزاب  وربط قنوات التواصل مع الجهات النافذة في دواليب الدولة.

فيما يخص حالة إلغاء المباريات والتعيينات من خارج المرتبين على قائمة اللائحة، فغالبا ما يتم الرمي بالكرة داخل ملعب وزارة الداخلية لتعليلها وتبريرها بتقارير أمنية.

وهنا يجب استحضار ما أدلى به الوزير  السابق على قطاع التعليم العالي لحسن الداودي،للرد على انتقادات تخص تعيينات مرشحين غير مرتبين على رأس اللوائح المقترحة ،مؤكدا أن التقارير الأمنية هي التي ترجح الكفة.

وتبقى الإشارة إلى أن معظم الجامعات تشهد مثل هذه الصراعات لشغل منصب رئيس مؤسسة الجامعية، إلا أن الأمر يتفاقم بفظاعة وحدة أكبر بكليات الحقوق التي تشهد تطاحنات وصراعات يندى لها الجبين، وذلك بالنظر لطبيعة تكويناتها والتهافت على شواهدها المرتبطة بمهام تكوين الأطر لتلبية حاجيات الدولة لتثبيت سلطتها.

للظفر بالمنصب تمارس كل الأساليب المنبوذة وتنفذ عبر رسائل مجهولة وتقارير تلطيخ الصورة والسمعة وتلفيق الاتهامات وتقمص دور المخبر للجهات المعنية بالاقتراح والتعيين…أصبحت بالجامعة نماذج لها طموح فائق لشغل مسؤوليات ومناصب ويمكن لها في مقابل ذلك تسديد خدمات وتنازلات لأولياء النعمة وللجهات المدعمة بالتوصيات والتي تبقى خلال مزاولتها للمهام المنوطة بها رهينة لهذه الأطراف وراعية لمصالحها (التوسع الحزبي، تسجيلات بأسلاك الماستر والدكتوراة ،التوظيفات ،تسريع برمجة المناقشات،دعم ومباركة مخططات وبرامج الوزارة، تشجيع فصائل طلابية وإقصاء أخرى….).

فكليات الحقوق تعرف اختراقا وتبخيسا ممنهجا من خلال إسناد مسؤوليات إدارية وبيداغوجية وعلمية لنمادج غير مؤهلة ولا تبالي بهذا النزيف وتساهم في فظاعة وتأزم الوضعية،من خلال تفريخ شواهد الماستر والدكتوراة حسب موقع و نفوذ الطالب وما يسديه من خدمات (محامون، قضاة، مصالح وزارة الداخلية والمالية، رجال السلطة والقوات العمومية ،أشباه الصحافيين،إدارات عمومية أخرى ،الخواص، المقاولاتيين…) والقرابة العائلية وطبيعة الجنسية (حالات الطلبة المنحدرين من دول الخليج).

هذه التسجيلات بأسلاك الماستر والدكتوراة، على اعتبار خدمات الطالب وطبيعة مهنته وجنسيته، تضر بمبدأ تكافؤ الفرص وتحرم طلبة آخرين أكثر حاجة لهذه الشواهد والذين يتطلعون الى بناء مستقبلهم، خاصة طلبة الفئات المستضعفة الذين ليس بمقدورهم متابعة دراستهم العليا بالمعاهد والجامعات الخاصة أو التسجيل بالخارج ويراهنون على دور المرفق العمومي الجامعي. فتشجيع الاختراق وفتح المؤسسة الجامعية، على منوال يخدم طموحات شخصية ،يهدفان إلى استغلال هذا المرفق العمومي ومهامه لتقوية منفعة و تسمين أغراض فئات معينة مفترسة ،وذلك على حساب هيبة الفاعل الجامعي ومكانته التي يراد لها أن تتقزم وتبخس بسلوكيات هذه النماذج الوصولية عبر مخططات الأطراف الحكومية والجهات النافذة.

والإجهاز على مكانة المؤسسة الجامعية ،كمرفق عمومي مجاني،يتجلى كذلك في التهافت على خلق أسلاك وتكوينات  مستمرة  بالمنظور  الريعي ،بحيث  أن تكلفة التسجيل بها تضاهي تكلفة التسجيل بالقطاع الخاص.

وان تدبير الموارد المالية للتكوين المستمر لا تتميز بالشفافية ، و يتم التعامل معها كوزيعة قابلة للنهب والاقتسام ،ناهيك عن التلاعب بالميزانيات المرصودة و عدم توظيفها بنجاعة خدمة للصالح العام،في غياب التدقيق من طرف أعضاء الهياكل الجامعية، التي من خلال اللامبالاة والتواطؤ أو استقطاب الأعضاء ذوي التأثير،تمنح التزكية والمصادقة على الميزانيات.

كذلك فعدم اهتمام المجلس الأعلى للحسابات بمالية الجامعات العمومية يزيد من تفاقم هذا الوضع بترك هذه المؤسسات العمومية بدون حسيب ولا رقيب،وبعدم تفعيل المادة الأولى من الدستور التي تربط بين المسؤولية والمحاسبة، الشيء الذي يجعل من هذه المسؤوليات فرص للاستدراك المادي واعتبارها مسؤوليات ذات جاذبية بالنسبة للنماذج التي لا توجهها صوب خدمة المصلحة العامة وخاصة في ظل مناخ الإفلات من العقاب  وإستراتيجية (عفا الله عما سلف ).

بما أن الروابط بين كليات الحقوق و أسلاك الدولة ظلت قوية ومؤثرة، هذا دفع الفاعل الجامعي إلى اقتناص فرص التعيين بالمسؤوليات بمرافق وأجهزة الدولة.وهنا تجدر الإشارة .إلى ما كان يتدواله بأنه على الفاعل الجامعي بهذه المؤسسات أن يتهيأ لتقلد أي منصب وفي أية لحظة طارئة مفاجئة تحتم عليه التسلح باللباس التقليدي.

هذه الصورة القاتمة للمؤسسة الجامعة تفرض علينا ضرورة وضع حد للتشدق بمحاولات المقارنة بين مؤسساتنا الجامعية والمؤسسات الجامعية في الدول الديمقراطية.

والمؤسف أن المكتب الوطني للنقابة الوطنية التعليم العالي لم يكلف نفسه ،طيلة خمس سنوات، عناء استفسار الوزير المعني بالقطاع على هذه المهزلة وترك الحبل على الغارب والكلية تعيش التسيب و التجاوزات ،و على المكتب الوطني أن يتبنى بقوة  مطلب انتخاب رئيس المؤسسة الجامعية من طرف زملائه كما هو معمول به في مجموعة من الدول كتونس،فرنسا…

ويبدو للأسف أن زمان المثقف العضوي ذهب إلى غير رجعة، الذي كان فيه هذا الديناصور الجامعي لا يباع ولا يقايض، إذ كانت له ارتباطات مجتمعية وحامل لهم التغيير والمساهمة في تحسين الأوضاع محليا ووطنيا ودوليا. 

إذ غدا هذا المثقف من الكائنات الأركيولوجية ،وتم استنبات عوضه كائنات وصولية انتهازية همها الوحيد التسلق السريع والاغتناء غير المشروع ولاهم لديه سوى تحقيق مآربه وتقوية منفعته بأية وسيلة كانت ويمكنه أن يتحالف مع الإدارة بالعمادة والرئاسة والوزارة ضدا على سمعة الجامعة ومكانة وهيبة الأستاذ الجامعي ،وبالتالي يصبح سهل التجييش من طرف أوليائه وأسياده بهاته الإدارات  باعتبارها جهات مانحة للتسهيلات والامتيازات، والتغاضي عن تجاوزاتها وخروقاتها وجرائمها وتنكيلها لحقوق الفاعلين الجامعيين، أساتذة وطلبة وموظفين.

فأين نحن من مثقف كان لا يلهث خلف المناصب التي لا تشكل بالنسبة إليه فرص يتربص بها واستغلالها في حالة تقلدها ويسخرها لخدمة الصالح العام. فأمثلة كثيرة لمثقفين رفضوا تقلد مسؤوليات كبرى معتبرين أن مهمتهم كمنتجين للأفكار والمعرفة اسمى من اللهات وراء مناصب تقرب من دواليب السلطة. 

ويمكن له أن يستقيل منها في حالة تعارضها مع مواقفه وأرائه وأفكاره. وهنا يجب استحضار موقف رجل السياسة الفرنسي جون بيير شو فينمون، الذي استقال ثلاثة مرات من الحكومات الاشتراكية في عهد فرانسوا متيران، تشبتا بمواقفه. هذا السياسي هو صاحب القولة الشهيرة” الوزير يسكت أو يستقيل”

‘’Un ministre ça démissionne ou ça ferme sa gueule’’.

المؤسف أن الظرفية، تحت طائلة جائحة كورونا، لم تستغل بعد لاستخلاص الدروس والعبر لرسم أفق مغاير للجامعة، وتوجيهها نحو خدمة المشروع المجتمعي التنويري، والاهتمام بالقطاعات الاجتماعية (التعليم ، الصحة…)، واتخاذ هذه اللحظة التاريخية لدفع الأستاذ الجامعي إلى مراجعة النفس، والتخلي عن التطاحنات والطموحات الغريبة على الجامعي الفاعل كمنتج للأفكار والمعرفة، وليس بمقاول جامعي يسلع المعرفة ويكرس فكرة  أن المجتمع لا يعدو كونه سوقا تتقاسمه فئتان مستهلك ومنتج.

علما بأن جائحة كورونا أبانت وأكدت بأن المجتمع روابط إنسانية وثقافية وتاريخية وأن هدف الجامعة العمومية ليس تلقين المعرفة خدمة للمقاولات ومنطق السوق بل هدفها الأسمى هو تكوينات معرفة تخدم جميع القطاعات المجتمعية و تسعى إلى خلق مواطن محصن يمتلك فكرا نقديا وله إلمام بمحيطه، كما أكدت على ضرورة حماية المال العام، خاصة بالدول النامية المرهقة بالديون وتفتقر إلى الموارد للإجابة على معضلة التخلف وتلبية  حاجيات المواطن، وبالتالي فالجامعة يجب أن  تظل بمأمن عن سلوكيات النهب بروح انتهازية التي تمس بالقطاعات الاجتماعية وترهن مصير البلاد وخاصة مصالح الفئات المستقبلية التي يجب وضعها كهاجس أساسي في إطار سياسات التخطيط و التنمية لضمان  عيش كريم في ظل مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية عبر الدور اللازم و الرئيسي للدولة في توفير وتمويل الحاجيات الاجتماعية الأساسية وحماية المواطن من المخاطر عبر تعميم الرعاية الاجتماعية  والحد من استنزاف الثروات الطبيعية واستغلالها من طرف فئات الريعية والرأسمالية التي لا تبالي بالمعضلات الاجتماعية و البيئية.

أستاذ يكلية الحقوق بالمحمدية *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى