في الواجهةكتاب السفير

ماكرون والقرد والحمار

isjc

* يسين العمري

توطئة لا بدّ منها:

زعموا أنّ قرداً وحماراً اختلفا حول لون العشب، فقال القرد أنّه أخضر في حين قال الحمار أنّه أزرق، طال الجدال بينهما، تعاركا، حتى تعبا، ثمّ اتّفقا على أن يحكّما الأسد بينهما، سمع ملك الغابة منهما معاً، فحكم ببراءة الحمار، وبجلد القرد عشرين جلدة ونفيه عن الغابة لمدّة سنة ونصف. بعد أن انفضّ المجلس، أسرّ الأسد لمستشاريه طبعاً أنتم مستغربون من الحكم، أجابوا بصوت واحد نعم، فقال لهم: طبعاً كلّنا نعلم أنّ لون العشب أخضر، وإنّما عاقبت القرد لأنّه ناقش حماراً. نفس المعنى يمكن أن نستشفّه من مقولة الإمام الشافعي ما جادلت عالماً إلا غلبته وما جادلت جاهلاً إلا غلبني.

بالإسقاط على واقعة تطاول ماكرون على الإسلام وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، نطرح الأسئلة التالية: هل يجهل هذا العلج مكانة رسول الإسلام لدى مليار ونصف مسلم؟ هل يتعمّد خلط الأوراق إذ يصف التطاول على الأديان والإساءة للرموز حرية رأي وتعبير؟ هل هذا جهل بجهالة أم تجاهل بعَمَالَة؟ وكمسلمين كيف ينبغي أن يكون دفاعنا عن رسولنا؟

جهل ماكرون:

في العادة، دوماً ما أحاول أن أعلّق على الأحداث بعد أن تهبط درجة سخونتها، حتى يتسنّى للعقل أن يناقش برويّة، بعيداً عن الحماسة اللحظية الناتجة عن العاطفة الجيّاشة، فحيثما حضرت الحماسة والعاطفية غاب العقل والمنطق.

إذن المعطيات تجعلنا أمام رئيس دولة وصف الدين الإسلامي بأنّه دين يعيش “أزمة”، وذلك قبل مقتل أستاذ فرنسي على يد تلميذه الشيشاني، بسبب عرضه لرسوم مسيئة للرسول عليه السلام، إذن بالمنطق القانوني السليم، فعنصر التحريض موجود وثابت في حقّ الرئيس سيّء الذّكر.

جهل ماكرون، وربّما تجاهله، المقرون بنية سيّئة، رغم أنّ النيات لا يعلمها إلا الله، المهم هناك جهل فاحش، ويتجلّى الأمر في إصراره على أن يقرن أيّ عنف يقع بما يسمّيه ب”الإرهاب الإسلامي”، وهذا تعسّف من حيث الإصرار على إقحام دين المعتدي عنوة، حين يتعلّق الأمر بالإسلام، فحين عندما يرتكب أعضاء اليمين المتطرّف الفرنسي أعمال عنف وقتل وتخريب، لا يتمّ الالتفات إلى دينهم، فيصبح المجرم بقدرة قادر “مختلّاً عقلياً” أو “مجرماً”، ولا يحقّ تسمية الفعل ب”الإرهاب النصراني” أو “التطرّف المسيحي”، وهذا أمر غير عادل، فالمنطق العلمي يقتضي إخضاع جميع المعطيات لنفس القواعد، فالحديث عن إرهاب أو تطرف “إسلامي” عندما يكون المجرم مسلماً، معناه القول بإرهاب وتطرف “نصراني” عندما يكون المجرم من أتباع ديانة “يسوع”.

المعايير المزدوجة في حرية التعبير والرأي:

“أن تسبّ الله أو الرسول مجرّد وجهة نظر، وأن تسخر من ماكرون أو زوجته مسألة فيها نظر”، هذه المقولة زكّاها ماكرون نفسه، إذ وصف الرئيس البرازيلي بالوقح، عندما سخر من زوجته “بريدجيت ماكرون”، وهذا أمر قطعاً لا يليق، لكن الغريب أنّ الرئيس استهجن السخرية من زوجته، وثار دفاعاً عنها وعن كرامتها، وعندما تعلّق الأمر برسوم كاريكاتورية مسيئة لرمز يمثّل قدسية فوق العادة لمليار ونصف بشر، قال أنّه مجرد حرية رأي وتعبير. سيد “مَاكِرون” أتحدّاك أن يرسم مسلم فرنسي كاريكاتوراً يشكّك في حقيقة “الهولوكوست”، وأن تتقبلوا منه ذلك تحت بند حرية التعبير والرأي. سيد “مَاكِرون” رسام كاريكاتور موريتاني طردته منظمة حقوقية فرنسية لأنّه رسم كاريكاتوراً ساخراً من شخصكم، فقيل له أنّ الأمر لا يليق لأنّ فيه إهانة لرمز الدّولة الفرنسية. سيد “مَاكِرون” قال الله عزّ وجلّ: ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين”، مهما تلبس من أقنعة وتتلوّن وتنافق، لن ينطلي ذلك علينا معشر المسلمين، وخرجتك الأخيرة في قناة الجزيرة أظهرت حجم الإفلاس الفكري لسيادتكم، وما قولكم أنّ “العلمانية لم يسبق لها أن قتلت أحداً”، إلا مزيد من التأكيد على جهلكم، العلمانية الفرنسية يا عمّ “ماكرون”، قتلت الملايين في أوربا في حروب “نابليون”، وملايين مثلهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي حروب الاستعمار بإفريقيا وآسيا، إن لم تقرأ التاريخ فتلك مصيبة، وإن قرأته وتجاهلت ما فيه فالمصيبة أعظم.

سيد ماكرون ما أرى إلا أنّك الحمار الذي يرى العشب أزرق اللون، وما أرى من يجادلك من المسلمين إلا مثل القرد الذي تمّ جلده ونفيه لأنّه ناقش حماراً جاهلا غبياً مثلك، آسف أنا لا أشتمك أنا فقط أستعمل حريتي في التعبير والرأي، بمفهومك أنت، نعم أنا وأعوذ بالله من قولة أنا أراك حماراً، لا تنقصك سوى “البردعة”. لا سيما أنّ الإسلام الذي تدّعي أنّه يعيش أزمة، يعتبر الدين الأكثر انتشاراً في العالم عموماً، وفي أوربا خاصّة، وفي فرنسا بالأخصّ، ويكفيك خزياً منظرك عندما انسبحت من المطار مصدوماً، عندما كنت في استقبال الرهينة الفرنسية العائدة من مالي، وصُدِمتَ بأنّها اعتنقت الإسلام، فطويت خطابك، وهربت.

كيف ندافع عن الرسول عليه السلام؟

قال تعالى: “إنّا كفيناك المستهزئين”، الله تعالى كفيل بالدفاع عن رسوله الكريم عليه أفضل الصوات وأزكى التسليم، وما يضرّ السّحاب نباح الكلاب، مثل ماكرون كلب الروم، لكن حذاري ثمّ حذاري من استغلال الدواعش لهذه الهدايا التي يوفّرها لهم ماكرون وغيره، على طبق من ذهب، لعيدوا خلط الأوراق والمفاهيم، من خلال استغلال حميّة المسلمين وغيرتهم على دينهم ورسولهم الكريم.

إنّ الدّفاع عن سيدنا محمد، لا يكون بقتل الأبرياء في الشوارع، ولا بتفجير الكنائس، وقتل وترويع النساء والأطفال والشيوخ، هذا ليس الإسلام أبداً. الدفاع عن النبي الأكرم عليه السلام، يكون من خلال الاقتداء بسنّته، وتدريس سيرته وأخلاقه، كلّ منّا بطريقته، الشاعر بشعره، والصحافي بمقالاته، والرسالم برسمه، ولننصر ديننا بعقلانية واعتدال، ولنترك ماكرون “الحمار” و “الحمير” مثله يهرنطون، ولا نكون نحن قروداً نستحقّ الجلد والنفي، والمثل العربي معبّر جدّاً في هذا الصّدد: “القافلة تسير وماركون ينبح”.

باحث في فلسفة وتاريخ الأديان، والإعلام، والقانون.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى