في الواجهةكتاب السفير

الكركرات … الضربة القاضية لتهوّر البوليساريو وغطرسة الجزائر

isjc

*يسين العمري

لا مناص من الاعتراف بأنّ ما قام به الجيش المغربي كان مفاجئاً للعديدين من متتبّعي الشّأن السياسي بالصحراء المغربية، ذلك أنّ السياسة الرسمية للدولة كانت تصبّ في اتّجاه عدم الاصطدام بميليشيات البوليساريو ومن خلفها الجزائر، وكانت حريصة بالمقابل على المعركة الدبلوماسية والسياسية، من خلال جمع المزيد من الدعم الدولي، العربي والإفريقي للمقترح السياسي المغربي لحلّ قضية الصحراء، عبر منح الإقليم حكماً ذاتياً موسّعاً في إطار السيادة المغربية. وإذاً رغم توالي الاستفزازات والتحرّشات المتكرّرة من انفصاليي البوليساريو في معبر الكركرات، وصلت إلى حدّ ابتعاث ما يسمّيهم “نشطاء”، ليقوموا بقطع الطريق في وجه الحركة التجارية المدنية بين المغرب وموريتانيا وغرب إفريقيا ككلّ، ممّا بات يهدّد تجارة المغرب الإفريقية. 

وبما أنّ المغرب اتّجه دوماً إلى خيار تفادي التصعيد والمواجهة، فقد كان أغلب المحللين السياسيين لا يتوقّعون تدخّل الجيش، حتى بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 06/11/2020، حيث ذكر فيه الملك أنّ المغرب حريص على السلم والأمن بالمنطقة، إلّا أنّه استدرك قائلاً أنّ المغرب لن يقبل بالوضع الذي تحاول “البوليساريو” فرضه بالكركرات، والذي كانت تسعى دوماً إلى الإيحاء وكأنّ الأمر يتعلّق بمنطقة “محرّرة”، وكان المرتزقة يحتفون بشرائط الفيديو الدعائية، التي تظهر أنهم حصلوا على موطئ قدم بالمحيط الأطلسي، وكانت الأزمة الأخيرة في المجمل تهدف لتنفيس الضغط الداخلي التي باتت الجبهة تعاني منه بمخيّمات تندوف، نظراً لتآكل أطروحتها الانفصالية دولياً، فأرادت إعادة الزخم للقضية من خلال افتعال أزمة “الكركرات”، لكن الأمر كان مثل الأبله الذي يلعب بالبندقية وهو لا يتقن استخدامها فقتلته.

إنّ يأس ميليشيات البوليساريو الإرهابية، والمشرفون عليها من جنرالات دولة مجاورة، من أن تحقّق القضية أيّة نجاحات محتملة، في ظلّ النجاحات التي باتت تراكمها الدبلوماسية المغربية من خلال فتح 15 دولة إفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، وكان آخر الضربات التي تمّ تسديدها في وجه الانفصاليين وأمّهم “غير الشرعية”، افتتاح دولة الإمارات العربية المتّحدة لقنصلية عامّة لها بمدينة العيون، وهي في تقديري النقطة التي أفاضت الكأس، وجعلت حنق أعداء المغرب يصل إلى حدّ السعار، لاسيما أنّ هذه الخطوة لا محالة ستجلب معها خطوت مماثلة من دول عربية وخليجية أخرى.

مضت الجبهة الانفصالية مدفوعة ومدعومة من الدولة المجاورة إياها، في أفق افتعال أزمة تعيد ملفّ الصحراء المغربية إلى الواجهة، فلعبت ورقة “النشطاء”، حيث أرسلت بضع عشرات منهم إلى معبر الكركرات، وهدّدت بأنّ المسّ بأيٍّ منهم، يعني دقّ طبول الحرب، وكلّنا رأينا في الفيديوهات مدى الاستفزاز الذي مارسه هؤلاء “النشطاء” الذين بلغت بهم الوقاحة إلى التحرّش بجنود مغاربة تحت أنظار بعثة “المينورسو”، وقاموا بشتمهم وإهانتهم، والتجرّؤ على العلم الوطني وباقي الرموز السيادية المغربية، وسط برودة أعصاب يحسد عليها أولئك الجنود، حيث اكتفوا بتوثيق الحادث دون أيّ ردّ فعل يذكر، كما كانت التعليمات الموجّهة لهم، ممّا يعطي الانطباع بحرفيتهم، وعدم انسياقهم وراء الاستفزازت، التي كان المقصود بها جرّ أولئك الجنود لمواجهة أولئك الشرذمة، فيقال العسكريون المغاربة اعتدوا على نشطاء مدنيين سلميين، ويتمّ تسويق هذه الصورة للعالم، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق مرادهم، فانتقلوا للخطوة الثانية وهي التحرّش بسائقي الشاحنات الذين ينقلون الخضر والفواكه إلى موريتانيا.

 أمام هذا الوضع الشاذّ، وفي ظلّ الصمت المريب للأمم المتحدة، والموقف الملتبس لموريتانيا، لم يعد للمغرب من حلّ، سوى أن يحلّ هذا الإشكال بنفسه، فكان التدخّل الميمون للجيش المغربي يوم 13 نونبر المجيد، بحيث تمّ تحرير معبر الكركرات من محتلّيه، ووضع طوق أمني يجعل المعبر آمناً أمام الحركة التجارة وللأبد.

 وأختم بالكتابة بأنّ رأيي كان دوماً بأنّ حلّ مشكل الصحراء المغربية ليس لا في يد القوى العظمى، ولا القوى الإقليمية ولا غيرها، إنّه قرار الشعب المغربي لا محالة، فأيّ حرب ستندلع معناه أنّ 40 مليون مغربي رجالاً ونساءاً سيدافعون عن وحدتهم الترابية، وكانت فراستي أنّه لا حلّ إلا بالمواجهة العسكرية، وهو حلّ ربما بدأت بوادره تلوح في الأفق.

ثلاث ملحوظات:

1- في تقديري فإنّ الدولة اليوم أكثر من أيّ وقت سابق ملزمة، بل من العيب والعار أن لا تفعل ذلك، أقصد بكلّ وضوح إلقاء القبض على الانفصالية المسمّاة “أمينتو حيدر” ومن هم على شاكلتها ممّن يسمّون “انفصاليي الداخل”، فلا مجال للسياسة والمساومة التي تراهن على تلميع صورة المغرب حقوقياً لدى الخارج، لأنّ هذه المارقة تقع جملة وتفصيلاً، تحت طائلة القانون الجنائي المغربي، فهي تتآمر مع جهات أجنبية للإضرار بأمن المملكة، وهي تدعو للتمرّد على الدّولة ولإثارة القلاقل ضدّها، وكان الأمر يقتضي من باب الإنصاف محاكمتها والزّجّ بها في السجن على غرار “ناصر الزفزافي”، لأّنّ القاعدة القانونية كما علّمونا في كلّيات الحقوق عامّة ومجرّدة، تطبّق على الجميع سواسية، دون تفرقة. وسواء رضيت المسّماة “حيدر” بذلك أم لا، فالصحراء إقليم مغربي عنوة واقتداراً، والصحراويون إخواننا ورعايانا في إقليم هو لنا، ودونه دمائنا وأرواحنا، ويكفي تلك الإنسانة خزياً أنّها حصلت على تعويضات ضخمة من هيئة الإنصاف والمصالحة، فهل المغرب سيء ونقوده جيّدة؟ فعلاً هذا تكريس لمنطق الارتزاق، وليس بغريب على إنسانة مرتزقة بدون مبادئ، فمعاداتها للمغرب –لو كانت ذات مباديء حقيقية- كان يقتضي أن ترفض تعويضات مالية منه. وأدعو كذلك الدولة المغربية إلى الضرب بيد من حديد على كلّ من سوّلت له نفسه إلى اختلاق القلاقل بالأقاليم الجنوبية ممّن يتعاطفون مع الأطروحة الانفصالية، ولا أرى أيّ مجال للمساومات الحقوقية في هذا الشأن، لأنّ الأمر يتعلّق بالأمن الداخلي للبلاد.

2- الدور الملتبس لموريتانيا في أزمة الكركرات يقتضي في تقديري من الدولة المغربية مراجعة سياساته تجاه هذا البلد الجار، فهو المنتفع الأول من خضراوات وفواكه المغرب، وهو مع ذلك يعترف بكيان وهمي ويطبّع العلاقات معه، وكان موقفه من الأزمة الأخيرة موقفاً في غاية الضعف إن لم نقل “النذالة”، حيث اكتفى بالمراقبة، وترك آلاف السائقين يواجهون مصيرهم، واكتفى بدور المتفرّج، الذي يلعب على الحبلين، حيث قبلت موريتانيا مساعدات غذائية وجّهتها لها دولة مجاورة تعويضاً عن الغلق القسري لمعبر الكركرات، وطبعاً موريتانيا هي المستفيد الأوّل ممّا حدث في 13 نونبر المجيد. أرى أنّه لم يعد هناك مجال لسياسة الرقص على الحبلين، فإمّا مع المغرب أو ضدّه.

3- الدّعاية التي تمارسها البوليساريو ودولة مجاورة ترعاها، في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر بثّ فيديوها وصور لقصف وضحايا وهميين، هي بروباغندا استهلاكية لتبرير الفشل الذريع، الذي لحق بهما، وفي كلّ مرة يتّضح كذب تلك الأخبار، ويتّضح أنها صور وفيديوهات من الحرب الباكستانية الهندية، أو حرب السعودية مع ميليشيات الحوثيين، أو صور جنازة جنود مغاربة توفّوا أثناء أداء واجبهم الوطني في دولة إفريقيا الوسطى دفاعاً عن مسلمي تلك الدولة من الميليشيات النصرانية المتطرّفة، وهي صور وفيديوهات يدلّ نشرها على أنها قصف لمواقع الجيش المغربي وإيقاع ضحايا في صفوفه، على الإفلاس السياسي والفكري لتلك الميليشيات وتلك الدولة المجاورة الذي خرج أحد جنرالاتها ليؤكّد عداوته للمغرب الدّولة والشعب، ودعمه لدويلة وهمية، قيامها فعلياً أشبه بالسراب الذي أكلته رمال الصحراء. وكان حرياً بذلك الجنرال الذي كان كابراناً في جيش فرنسا أن لا يركّز على حقّ تقرير المصير في الصحراء المغربية، وينسى حقّ الشعب القبائلي في تقرير مصيره في إقليم “القبائل” المحتلّة، هذا منطق يذكّرني بما قاله السيد المسيح “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟”، الأحرى أيها الجنرال-الكابران أن تحشد طاقات بلدك وثرواتها لفائدة شعبك ورفاهية مواطنيك، وليس لمعاداة دولة جارة وشقيقة، احتُلّت بسبب دعمها لبلدك، وساعدت شعبك في ثورته التحريرية بالمال والرجال والعتاد، واستقبلت آلاف اللاجئين في العشرية السوداء… وهذه أشياء لا نمّن بها كمغاربة فالواجب كان يفرض ذلك، ومشكلة المغاربة لم تكن يوماً مع الشعب الجزائري، وإنّما مع قادة عسكريين لم ولن ينسوا أبداً هزيمتهم في حرب الرّمال سنة 1963، وبات المغرب يشكّل لهم عقدة أبدية.

  • باحث في الدين والسياسة.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى