في الواجهةكتاب السفير

تجربة المدرسة المغربية الذكية …كانت صرحا من خيال فهوى

isjc

السفير 24 – تكناوي محمد

تتفتق عبقرية المسؤولين عن الشأن التربوي ببلادنا في أحايين كثيرة على اخراج سيناريوهات غاية في الغرابة والطرافة في الوقت نفسه، وتكون غالبا خارج السياق المرتقب وشاردة عما ينتظره الفاعلون والمهتمون بالمجال التعليمي خاصة المدرسين الموجودين على خط مواجهة العمليات الاصلاحية في الميدان وايضا المتمدرسات والمتمدرسين والذين يفترض جعلهم في قلب وصلب منظومة التربية والتكوين وتسخير كل دعامات وبرامج ووصفات الاصلاح لخدمتهم.

ففي خضم الدخول المدرسي الحالي خرج الوزير امزازي في لقاء تلفزيوني مثير ليعلن ان 80 حتى لا يقول 90 في المائة (حسب تعبيره) من المؤسسات التعليمية تتوفر على قاعات و حقائب متعددة الوسائط توفر الربط بشبكة الانترنيت الى جانب ربط مجموعة من المؤسسات بالعالم القروي بالأنترنيت عبر الاقمار الصناعية، طبعا القارئ والمهتم بالشأن التعليمي يعلم ان هذه الاحصائيات التي اوردها الوزير امزازي لا علاقة لها بما يعتمل حقيقة في الميدان بل وانها تندرج في سياق البرامج والمقاربات التي تفتقر الى الملائمة مع واقع القطاع في المغرب، وهذا ما فطن له امزازي الذي عاد امام لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب ليؤكد الضعف الفعلي للتغطية بالانترنيت والقاعات المتعددة الوسائط التي لا تفوق نسبة التغطية فيها 42 في المائة ويأمل رفعها الى 65 في المائة سنة 2023 بل وانها يضيف لا تتعدى نسبة 31 في المائة في المؤسسات التعليمية الفرعية، والاحصائيات التي اعتمدها امزازي سابقا حسب قصاصات اعلامية مطلعة غير واقعية لسبب بسيط هو توقف اشتراك الربط في قاعات جيني 1 و 2 والذي تعطل لسنوات.

و لندع جانبا الوزير امزازي ونعود الى سلفه الوزير رشيد بلمختار مبتكر تجربة المدرسة الذكية او مدرسة المستقبل التي يتمحور حولها هذا المقال ، رشيد بلمختار عضو قدماء تلامذة المعهد العالي لصناعة الطائرات والفضاء في تولوز الذي تولى حقيبة التعليم للمرة الثانية من سنة 2013 حتى سنة 2017، استيقظ ذات صباح من سنة 2015 ليعلن على اطلاق تجربة المدرسة الذكية في عموم التراب الوطني وكان يقصد طبعا من وراء هذه المبادرة التي اعتبرت في حينها سوريالية تعميم النظام الرقمي الذكي الذي يرتكز على التكنولوجيات الحديثة في عملية التلقين التربوي في مختلف المؤسسات التعليمية طبعا العمومية، وذهب ابعد من ذلك حين اعتبر ان مصالح وزارته ستعتمد المحفظة الالكترونية التي لن يتجاوز وزنها 700 غرام وهي عبارة عن حاسوب يحتوي على مجموعة من البرامج المعلوماتية البيداغوجية والتي تمكن التلميذ من التفاعل مع البرامج والمقررات التربوية من خلال الارتباط بها عبر شبكة الانترنيت.

طبعا الوزير رشيد بلمختار حين كان يتحدث بحماس واندفاع عن هده التجربة كان يستحضر مدارس الواجهة المتواجدة في الاحياء الراقية بمدينة الرباط او الدار البيضاء وطنجة وغيرها طبعا مع استبعاد المدارس والمؤسسات المتواجدة في القرى النائية و في الكهوف وفي قمم الجبال وعلى سفوح الانهار والاودية طبعا هي مدارس يبقى موضوع الطابليت والمدرسة الذكية أو مدرسة المستقبل اخر اهتماماتها بل و أقصى متمنياتها.

فالوزيران امزازي وقبله رشيد بلمختار قد غاب عن ادراكهم ان التقنيات الجديدة التي بشرا بها لا تغير المدارس، بل ان المدارس هي التي يجب ان تتغير لكي تتمكن من استخدام التقنيات الجديدة بصورة فعالة وناجعة ومع الاسف وكما يعلم الجميع فالتحدي الذي تواجه المؤسسات التعليمية العمومية المغربية هو كيف تتغير لتواجه متطلبات المرحلة القادمة.

فكما هو متداول ان من بين اسباب الهدر المدرسي الذي يشكل تحديا مؤرقا لوزارة التعليم لمحاربته هو غياب مرافق صحية في عدد كبير من المؤسسات التعليمية ليس فقط في العالم القروي ولكن ايضا في هوامش الحواضر وحتى ان وجدت فهي تعاني من اعطاب مستمرة نتيجة سوء التدبير غياب السواتر واختناق المواسير وقنوات الصرف الصحي وغيرها ايضا فكيف يستقيم التفكير في ملامح مدرسة ذكية وطابليتات في مدارس بدون مراحيض دون ان ننسى الظروف القاسية التي يتواجد عليها تلامذة المناطق الباردة او تلك التي تغطيها الثلوج او غمرتها مياه الامطار او الاودية فتلاميذ هذه المناطق هم في امس الحاجة لأبسط شروط التدفئة والاطعام والمقاعد والنوافذ اكثر من حاجتهم لطابليت او للربط بالانترنيت.

هذا التوجه البيداغوجي التربوي الرقمي وحكاية المحفظة الالكترونية والسبورة الرقمية التفاعلية لنربطه بواقع عدد كبير من المؤسسات التعليمية التي تفتقد للماء والكهرباء دون الحديث عن ربطها بشبكة الانترنيت سنجد ان عدد من المسؤولين التربويين تجاوزوا الحلم الى مرحلة الهذيان كما اعتبر الاعلامي المشكح لذلك تحتاج المدرسة المغربية اليوم لإصلاح يتماشى مع مستوياتها وليس اصلاح يشبه الهروب من مشاكله الحقيقية العميقة الى الامام.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى