في الواجهةكتاب السفير

مراكش الحاضرة المتعثرة

isjc

* بقلم: د. محمد آيت لعميم

مراكش الحاضرة المتجددة، أضحى هذا التعبير اسما بلا مسمى، ومن فرط ترداده، وعدم انجازه، خيل الي انه من المشاريع الافتراضية، التي تحدث دون أن تقع. اي تحدث في الاذهان، ولا تتحقق في الاعيان.

 

فمنذ 2014، قدم هذا المشروع المهم لإعادة تأهيل مراكش وقد قدمته آنذاك عمدة مراكش فاطمة المنصوري، لكنه لم ينجز ،ولكنه على الاقل وضعت معالمه، ودفاتر تحملاته، ولم يبق الا الشروع في تنزيله على ارض الواقع ، علما انه من المشاريع الملكية، للنهوض بالمدينة وجعلها ترقى الى تطلعات اهلها وطلعات الوافدين عليها من بقاع العالم ، وبعد ذلك سيأتي مجلس جديد بقيادة العدالة والتنمية، ليقبر المشروع ، ويلقى في زوايا الاهمال، فالمجلس الجماعي وجد أمامه مشروعا مكتملا ، ماكان منه الا ان ينزله ويحققه على الارض، في اجال محددة ومضبوطة، الا انه اخلف وعده، ولم ير المشروع النور، لقد كان المشروع على الورق يغري كل من اطلع عليه، لما فيه من مشاريع كانت ستنهض بالمدينة على مستويات عدة، ولابد من التذكير به للقارئ ليدرك حجم ما اضاعه المجلس الجماعي عن المدينة، فوثيقة المشروع قدمت امام الملك في يناير 2014، وهو مشروع تنمية وتطوير مدينة مراكش بين 2014- 2017، بمعنى ان انجاز المشروع كان يتطلب الاشتغال ليل نهار كي يكون في الموعد، الا ان واقع الحال هو الغياب التام لاتمام المشروع في الاجال المحددة، إن المشروع كان مغريا وطموحا، كانت النفوس تتشوف لاتمامه، للتفرغ لمشاريع اخرى، غير ان التلكؤ والتراخي في الاسراع باخراجه ضيع المدينة مرتين، لم ينجز المشروع في اجاله المحددة، ولم توضع مشاريع أخرى، مما اسهم في هدر الزمن المرتبط بتسريع وتيرة النهوض بالمدينة الحمراء.

فمشروع مراكش الحاضرة المتجددة، توزع على مجالات عدة، كلها من الأهمية بمكان، فهناك الادماج الحضري، من خلال الربط الطرقي بين مجموعة من الأحياء في المدينة خارج الاسوار، وهناك مجال النقل الحضري، ومجال يهم التراث والثقافة والمرافق الدينية، وتثمين المدينة العتيقة، وتأهيل حي قبور الشو، واحياء ساحات المدينة القديمة، وتنظيم المدارات السياحية.

اما فيما يخص المتاحف ، فقد تم وضع مجموعة من المتاحف المتنوعة ، منها إحداث متحف للتراث المادي، الذي ظل يتحدث عنه منذ ذلك الزمن الذي وضع فيه المشروع على الورق، ولم يحرك المجلس الجماعي ساكنا، فلغياب الرؤية لديه وعجزه عن انشائه، سيتخلى عنه في الوقت الميت من ولايته، ويسلمه لمدير المتاحف بالمغرب، وفي الآونة الاخيرة بدأت فيه الاشغال، ولحدود الساعة لم يفتح.

احداث متحف للكتاب، لم ير النور الى حدود كتابة هذه الاسطر، احداث متحف الحضارة المغربية للماء، انجز من قبل وزارة الاوقاف، احداث متحف التراث الديني بمدرسة بن صالح، انجز ولا ندري لماذا لم يفتح في وجه الزوار، فهو انجاز مع وقف الفتح.

ترميم ضريح الولي سيدي يوسف بن علي ، تم ترميمه، احداث مجمع الفنون الشعبية، لم ير النور. تأهيل المسرح الملكي، الذي يعتبر معضلة في البناء، منذ تشييده لم يؤد وظيفته بسبب مشكل في البناء، وإلى حدود الساعة لم يتم تأهيله واصلاح معضلته الهندسية.

تأهيل الخزانة البلدية، التي كانت محجا للقراء والباحثين لما كانت تزخر به من مصادر مهمة، تبددت وتفرقت شذر مدر، لم تأهل ولم يعد بناؤها من جديد، لتكون صرحا مكتبيا حقيقيا، ولكي يعود لها مجدها التليد الذي ضاع بسبب الاهمال. إحداث خمس خزانات القرب، في حدود علمي، لا وجود لهذه الخزانات، فعلى الاقل الاحياء التي اعرف ، مثل المسيرة الاولى والثانية والثالثة، والحي الحسني، وازلي باحيائه، وحي سكوما، هذه الاحياء التي تشكل بكثافة سكانها نصف اهل مراكش، لاوجود لخزانة تلبي حاجيات الساكنة والتلاميذ.

وبخصوص المدينة الملكية للفنون الشعبية والتراث غير المادي للمغرب، فقد كان مقررا ان تشيد في بعض جنبات اكدال باحماد في قصر الباهية، غير أن هذه المدينة لم تشيد في المكان المرصود لها، ولم يقدم المجلس الجماعي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية اي توضيح في هذا الامر، علما ان هذه المدينة كما جاء مسطرا في دستورها، ان لديها وظائف ذات أهمية بالغة، فمن وظائفها، التنقيب والتوثيق ، وانشاء مكتبة ورقية واخرى سمعية بصرية، وايضا من وظائفها البحث العلمي، بحيث ستدخل الجامعة على الخط ، وان تكون مرصدا للانقاذ، وللاذاعة والنشر، ثم هناك وظائف تربوية من خلال تكوين جمهور عريض، ايضا لديها وظائف تواصلية واحداث شراكات مع اكبر المؤسسات الوطنية والدولية، ومن وظائفها كذلك التنمية والاشهار والتنشيط الفني طيلة السنة، على كل المجال المغربي ، ثم المواكبة والتأطير والاعانة في خلق فرص للشغل، استقبال الفنانين الشعبيين في فضاء يشبه الفنادق الراقية، عوض ما كانوا يعيشونه من بؤس اثناء التظاهرات الفنية، فهذه المدينة هي امتداد طبيعي لمهرجان الفنون الشعبية في افق مأسسته، مما سيعود بالنفع على هذه الفنون وعلى الفنانين، وان تزدهر الفنون الأصيلة.فمن خلال هذه الوظائف نستشعر هول الخسارة التي منيت به هذه المدينة الفنية، التي كانت سترقى بالأداء الفني وبالوضعية الاعتبارية للفنان.

لو أردنا ان نعدد خسارات المدينة الحمراء لطال بنا الحديث ، وساختم بديوان الكتبيين، المشروع الكبير لانشاء صرح بمحاذاة جامع الكتبيين، الذي كان سيعيد للناس ذاكرة الكتب التي كان الرواق امام المسجد يعج به في القديم والذي كان يضفي حياة على حي الكتبيين العامر منذ القديم، ولم يتم اخلاؤه الا في فترة الحماية، لفصل الجامع عن شريان المدينة العتيقة، فقد كان من المقرر ان يشيد هذا الصرح في حديقة عرصة دار مولاي علي التي استرجعت حديثا، وهذا المشروع فيه رد اعتبار لذاكرة الكتبيين، وفنون صناعة الكتاب، وستضفي رونقا وبهاء على الموقع الابكم الاجرد الان، ناهيك على أنه منشأة ثقافية ستخلق فرصا عديدة للشغل.فالصرح المعماري كما تصوره اصحاب المشروع هو منشأة ثقافية تستجيب للمعايير المعمارية وتنضبط للسياق التاريخي وتخدمه وتنطق بما في ضميره، كما انها تستجيب لمواصفات استقبال الجمهور المستهدف، تضم قاعة للمعارض الدائمة، وتعرض اندر المخطوطات التراثية حول الثقافة المغربية ، وبها قاعة للمحاضرات، ومركز للتوثيق هو عبارة عن خزانة بامهات الكتب والمصادر حول تاريخ الفن المغربي والعربي الاسلامي، هناك فضاء خاص، بالكتبية يعرض به المنبر التاريخي للجامع، وايضا ورشات مخصصة للخط .

كل هذه الأحلام والأماني لم تتحقق ويخيل للمرء انها اضعاث احلام، يزعمون انهم نقلوا هذه المنشآت الى اماكن أخرى، وهذا الزعم نفسه لايستقيم، لان هذه المشاريع صممت في أماكنها الطبيعية، فديوان الكتبية مكانه اللائق والمنطقي هو جنبات الكتبية، ومدينة الفنون مكانها داخل اسوار المدينة، لان جل الفنانين الشعبيين يعيشون داخل فضاء المدينة العتيقة، ومكان نشاطهم سيكون مفيدا اذا اسست المدينة في مكانها الذي تم اختياره اثناء وضع مشروع مراكش الحاضرة المتجددة، اعتقد ان تضييع هذا المشروع سيجعل المدينة ترجع القهقرى، ولهاذا فمن سيتحمل مسؤولية المجلس الجماعي المرتقب امامه امتحان عسير، فالمشاريع جاهزة على الورق وتنفيذها مرتبط بكفاءة من سيأتي خلفا للذين لم ينجزوا المشروع، واعتقد ان اخفاق المجلس نابع من غياب استشارة مثقفي المدينة وخبرائها وعرفائها، والمهرة من المهندسين المعماريين. ونابع ايضا من خفوت الحس الفني والجمالي والثقافي لديهم.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى