في الواجهةكتاب السفير

“السوق الانتخابية” والبؤس السياسي والتنموي بإقليم ابن سليمان 

isjc

* بقلم: ذ. المصطفى ساجد

هل ما يزال هناك من حياة سياسية بالمغرب أم علاقة الأحزاب السياسية بالمواطنين تقتصر على محاباة و سلوكيات استعباد المواطن وشراء الذمم خلال فترة الأيام المعدودة للحملات الانتخابية؟ وعليه، فقد أضحى الهم الوحيد للأحزاب السياسية هو الحصول على مقاعد خلال المحطات الانتخابية في غياب التأطير والتواصل وفتح المقرات للنقاش وعرض مشاكل الجماعات والبلاد والمشاركة في معارك ومطالب الشرائح والفئات المتضررة، وبالارتباطات بهموم وحاجيات ساكنة الجماعات. فلم تعد هناك ارتباطات بين الأحزاب السياسية والشرائح المجتمعية من عمال وفلاحين وطلبة وعموم المواطنين بتأطيرهم والعمل على تبني قضاياهم للدفاع عنها وللضغط على بوصلة السياسات العمومية صوب أهداف تحقيق حاجيات وتطلعات المواطنين، لاحترام و سن حقوقهم المشروعة ولصون كرامتهم. فالنقاش بوسائل التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك لا يمكن له أن يعوض دور المقرات الحزبية في النقاش الجاد والحوار وفي دورها كجسور بين هموم المواطنين وذوي المسؤوليات السياسية فكيف لمواطن أن يدلي بحقوقه لفائدة حزب معين في غياب التأطير الدائم والإقناع ببرامج ومشاريع مجتمعية؟ 

وهذا ما يفسر أن عوامل أخرى، لا علاقة لها بالتأطير وببرامج مقنعة، هي التي ترجح كفة “التنافسية الاستغلالية” لصالح المرشحين والتي تتمثل أساسا في استعمال المال المشبوه لشراء الذمم وللتمويل السخي للحملات الانتخابية. فالأقاليم المهمشة هي التي تكون دوائر انتخابية خصبة لنجاح ونجاعة استثمارات الأموال المشبوهة في السوق الانتخابي، وذلك عبر تسليع و تبضيع علاقات سياسية بين المرشحين والمواطنين باعتبار أصواتهم كسلعة قابلة للبيع والشراء. 

بالرجوع إلى حالات جماعات إقليم ابن سليمان، والتي تجذرت بجماعاتها نماذج احترفت الانتخابات والالتصاق بالكرسي المريح والمربح وراكمت ثروات باستغلالها لمسؤوليات تقلد رئاسة جماعات حضرية وقروية وخاصة الجماعات ذات الكثافة السكانية والجماعات الغنية بمواردها كحال الجماعة الحضرية بابن سليمان والجماعة الحضرية لبوزنيقة والجماعة القروية لعين تيزغة، فالمرشحين ذوي الأموال المشبوهة يتمتعون بتنافسية أكبر في الاستحقاقات الانتخابية و التي لا تمت بصلة للصراع السياسي من خلال الاستثمار بالسوق الانتخابي، والمراهنة على أرباح طائلة تغطي تكاليف الحملات الانتخابية وتمكن من غزارة الفائض خلال ولايات تقلد المسؤوليات بالجماعات الترابية وحتى بالبرلمان.

فإذا كانت كل الجماعات الحضرية والقروية، بدون استثناء تتخبط في مشاكل عديدة تتجسد في حجم البطالة والتفشي المهول لأنشطة الاقتصاد غير المهيكل، في غياب الاستثمارات المدرة لفرص الشغل وفي ظل استراتيجية الحفاظ على رئة الرباط والدار البيضاء علما أن هذه الرئة تلوثت بكوارث مقالع الرمال بجماعة عين تيزغة التي حولت اقليم بنسليمان إلى منطقة أكثر تلوثا حسب تقارير ودراسات، وكذلك في الغياب التام للمستشفيات والمراكز الصحية المجهزة بجميع جماعات الاقليم، مع استثناء مستشفى مدينة ابن سليمان، وللمرافق الثقافية…، فالفظاعة تتفاقم فيما يخص وضعية بعض الجماعات القروية الفقيرة والتي عانت لمدة سنوات عديدة من تهميش تام على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وعلى مستوى البنيات التحتية من طرق والتزويد بالماء الصالح للشرب وربطها بقنوات الصرف الصحي إلخ.

فلمدة سنوات عديدة تم حرمان ساكنة جماعات قروية بالإقليم – كحال جماعة سيدي بطاش وجماعة مليلة وجماعة بئر النصر- من أدنى ضروريات العيش وتضمن كرامة المواطن، كما لو أن ذلك يعتبر مصيرا حتميا، علما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأوضاع البنية التحتية والاستثمارات في التجهيزات، تتحسن بالمخططات وبرصد الموارد العمومية لتحقيق ذلك في إطار سياسات عمومية ملائمة وهادفة هاجسها البعد التنموي وتلبية حاجيات السكان. فالواقع الصحي المؤلم والمزري الذي تعيشه ساكنة جماعات قروية مهمشة ومحرومة من وسائل التنقل العمومي ومن سيارات الإسعاف يؤكد لامبالاة ذوي المسؤوليات كسلطات معنية بالقطاع الصحي ومنتخبين.

فالتهميش التاريخي الممنهج بجماعات إقليم ابن سليمان على مستوى غياب الاستثمارات المنتجة والمرافق الاجتماعية الرئيسية، من مستشفيات ومؤسسات جامعية وإعداديات و ثانويات بالعالم القروي وتجهيزات ثقافية، زد على ذلك تفشي الفقر و النسبة الكبيرة لظاهرة الأمية … هذه كلها عوامل تجعل من دوائر إقليم ابن سليمان، دوائر خصبة مما هو عليه الحال بأقاليم أخرى لاستمالة المواطنين واعتبار أصواتهم كبضاعة بسوق انتخابي تخضع لقانون العرض والطلب ! وارتباطا بالفقر والجهل و إكراهات ضرب الكرامة، هناك مرشحين وأحزاب معينة تراهن على استثماراتها السياسوية في منح قفف المساعدات الغذائية وفي سلوكيات سياسة القرب من خلال الحضور في الجنائز والتعازي وغير ذلك من المساعدات للمواطنين لعقلية انتهازية و وصولية تستثمر في مآسي الناس وتتاجر بفقرهم ؟    

 فعوض التواصل السياسي، عبر البرامج وتنظيم مهرجانات ولقاءات للتحليل والنقاش، فالحملات الانتخابية تأخذ طابع الاصطدامات واستعراض عضلات من يتم تسخيرهم من مياومين في إطار “الموقف الانتخابي” ومن شباب عاطلين يقايضون حضورهم وأتعابهم اليومية بمقابل مادي ونقدي، زد على ذلك حالة مرشحين يستعرضون قوتهم بالشوارع والأزقة ويتباهون بعدد السيارات والدراجات النارية ورمي الأوراق وإزعاج السكان بالأبواق ومكبرات الصوت!! بؤس سياسي يوضح أن طريق العمل السياسي الجاد ليس سهلا وهينا وعلى الأحزاب السياسية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية في هذه المآسي والمهازل، وعليها أن تهتم  بالتأطير الدائم وفي ترشيح ذوي الأهلية والكفاءة ومن أبان عن تواجده و انخراطه وإيمانه بأدبيات المشروع المجتمعي للحزب إن كانت فعلا لهذه الأحزاب مشاريع مجتمعية ! فعلى مستوى اقليم ابن سليمان، فباستثناء أحزاب جد قليلة، فلا وجود لفروع ومقرات الأحزاب التي قدمت مرشحين بجماعات الاقليم لانتخابات اقتراع 8 شتنبر 2021، بتزكيتهم بضعة أيام قبل فترة وضع الترشيحات ! وقمة الغرابة أن يتم الظفر بمسؤوليات تمثيليات الأحزاب بالإقليم بناءا على مكالمات هاتفية بضعة أيام أو حتى ساعات قبل فترة وضع الترشيحات.

ففيما يخص مسألة تشكيل مجالس الجماعات الترابية، فإذا كانت سلطات الوصاية لها اليد الطولي في فبركة المجالس والدفع في اتجاه ترجيح كفة منتخبين وأحزاب معينة لرئاسة المجالس، فالمتغير هو مراهنة ذوي المصالح الاقتصادية، من مقاولات تستفيد من الصفقات العمومية وشركات التدبير المفوض فيما يخص جمع النفايات والحفاظ على النظافة وتدبير الأماكن الخضراء …إلخ، على مرشحين معينين لا تخوف منهم لفسخ العقود المبرمة، بالنظر للارتباطات المصلحية والأخطبوطية بين الأطراف المتواطئة. وفي هذا الإطار يجب الإشارة الى ما تضمنته بيانات فعاليات سياسية وحقوقية بالإقليم من استياءات وتنديدات بعدم احترام دفتر التحملات من طرف شركة أوزون المستفيدة من التدبير المفوض للحفاظ على النظافة ببعض جماعات الإقليم. إلا أنه يجب التوضيح أن تعليمات وضغوطات سلطات الوصاية لها تأثير على اعتماد التدبير المفوض عبر الرضوخ لتوصيات البنك العالمي كمؤسسة مالية دولية تمنح القروض لتجاوز الأزمات مع تمرير الاملاءات. والتأثير على سلطة القرار والسيادة العمومية للبلاد.

أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية*

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى