في الواجهةكتاب السفير

مهام تحت المجهر لجامعة الحسن الثاني بالبيضاء.. تساؤلات وهواجس حول حوافز اسناد المسؤوليات بالرئاسة وتدبير المشاكل.. والملفات الساخنة برئاسة وهياكل الجامعة -الجزء الخامس

isjc

* بقلم: ذ. ساجد المصطفى – كلية الحقوق –المحمدية

للتذكير فأنطونيو غرامشي اعتقل على أساس فكره وصراعه ضد الاستبداد والاستغلال الطبقي للأنظمة الرأسمالية وضد النظام السياسي الفاشي بايطاليا خلال الحروب العالمية التي اندلعت في النصف الأول من القرن العشرين. فغرامشي رفض طلب العفو من موسوليني الذي ربط إطلاق سراحه بضرورة تحرير طلب العفو من طرف غرامشي.

  فعوض المثقف العضوي ( intellectuel organique)، كمثقف المقاومة والصراع ضد كل أشكال الاستبداد والاستغلال والهيمنة الطبقية، نصبح أمام تفشي نماذج انتهازية ووصولية في إطار ما يسمى ب ” المثقف الخبير”، الذي يطور المهارات والابتكارات في مجال معين، و “مثقف الخدمة”

  (intellectuel de service) وبحيث أنه أضحى هناك تشجيع لهذا النوع من المثقف، وحتى صناعته، والذي يعمل جاهدا على مواكبة سياسات واستراتيجيات ذوي القرار بالتهليل بها وتلميع الصورة. (intellectuel propagandiste)  على مستوى التشريعات المسنونة وبرامج التنمية، وذلك بغية التقرب من الأوساط النافذة والحاكمة طمعا في تقلد مسؤوليات ونيل جزاءات ومكافآت وحتى عطف ورضى هذه الأوساط.

  فقد ولى زمان كان للمثقف الجامعي مواقف ثابتة وشرسة اتجاه قضايا وطنية ودولية، خلال حقبة الحرب الباردة بين القطب الاشتراكي والحلف الرأسمالي، مرتبطة بالاستعمار الامبريالي وما واكبه من تبعية اقتصادية وثقافية ونهب ثروات وخيرات دول العالم الثالث ومحاولات فرض أنظمة سياسية موالية عبر التواجد العسكري والانقلابات المفبركة وتمويلات المؤسسات والمنظمات الدولية والمساعدات لتقوية الأنظمة التابعة،  وحاضرنا مرا ومحبطا بحيث أن “مثقف الخدمة” أصبح يتسابق ويهرول وراء مشاريع البحث، التي تتوخى توسع ركائز ومبادئ وأهداف النظام الليبرالي وخدمة مصالح الدول الرأسمالية، والتي يتم تمويلها بسخاء من طرف مجموعة من المؤسسات والمنظمات الدولية وكذلك من طرف دول بعض التكتلات الجهوية، خاصة دول الاتحاد الأوروبي.

  وعليه فأهداف استغلال المهام الجامعية لتقوية المنفعة الخاصة يمكن لها أن تفسر الطموحات الشخصية والتطاحنات بمجموعة من المؤسسات الجامعية والتي تسعى إلى خلق مراكز ومختبرات البحث وإدارة شؤونها. الملاحظ أنه لم يعد هناك اهتمام قوي ومحفز بالقضايا الكبرى والمشاكل المجتمعية كتلك التي لها علاقة بطبيعة الأنظمة السياسية وبالأسباب الحقيقية للفقر والإقصاء الاجتماعي وباقتصاد والريع والفوارق الاجتماعية والمجالية ومظاهر الانحراف وتفاقم الجريمة وبالاستغلال الدولي في إطار رأسمالية متوحشة وكغياب دراسات جادة حول المشاكل والكوارث البيئية وارتباطاتها بالأنظمة السياسية والاقتصادية … وحتى على المستوى العلمي والتكنولوجي فهناك اكراهات وتقصير في الاهتمامات ببعض المجالات الحيوية وذات أهمية قصوى بالابتكارات في مجالات علوم الصحة والتغذية والزراعة وفي ميادين الطاقة والبيئة والتكنولوجيات الحديثة والاختراعات الصناعية.

  فدور المختبرات ومراكز البحث هو الإنتاج العلمي الجاد والذي يخدم المصلحة العامة والتنمية الشاملة وأنه يجب توفير الشروط الملائمة والمحفزة للإنتاج العلمي والاجتهادات وابتكارات الفاعلين المعنيين.

  فعندما يتم تصنيف الجامعات المغربية، من طرف مراكز ومؤسسات دولية في مراتب متأخرة وراء جامعات إفريقية (بواتسوانا، غاناـ نيجيريا، إثيوبيا، إلخ.) وعربية (السعودية، قطر، لبنان، الكويت،إلخ.)، فهذا يدق ناقوس الخطر لوضعية ومستوى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب.

  فبما أن المعايير المعتمدة للتصنيف العالمي للجامعات تهم خاصة البحث العلمي والابتكارات، فذلك يوضح جليا الوضعية الجد متدنية للبحث العلمي بالجامعات المغربية، رغم الجهود المبذولة من طرف أساتذة – باحثين متشبثين بالإنتاج العلمي (كتب، مقالات، الإشراف، إلخ).

 هناك عدة عوامل واختلالات تعيق تطوير البحث العلمي بالجامعات المغربية، مما يؤثر سلبا على التنمية الشاملة للبلاد بناءا على العلاقة الوطيدة بين الاستثمارات اللامادية – من خلال الاهتمام بالرأسمال البشري وتشجيع الإنتاج العلمي والابتكارات- والنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية من خلال تحريك دينامية الاقتصاد الوطني بخلق القيمة المضافة والثروة وتوزيع ثمارها.

 أكيد أن استراتيجية تهميش البحث العلمي توجد على عاتق الدولة كباقي الدول النامية التي تتميز باحتكار القرار السياسي وبسط نفوذ الطبقة الحاكمة على القطاعات الاقتصادية ذات القابلية للنهج الريعي والمدرة للأرباح السريعة والطائلة، كمثال قطاعات التعليم، المناجم، الفلاحة، السياحة، العقار، النقل، مقالع الرمال، الصيد البحري…، من خلال أساليب وسياسات احتكارها بضرب التنافسية التي لا تخدم مصالح هذه الطبقة النافذة،  بحيث أن الطبقة النافذة سياسيا والمستثمرة اقتصاديا تحقق أهداف الاغتناء الفاحش في ظل غياب البحث العلمي والابتكارات ( innovations).

 وبناءا على ذلك سيتم تهميش الاستثمارات في القطاعات والأنشطة الاقتصادية والمنتجة، كالاستثمار الصناعي، التي تتطلب سنوات عديدة لتحقيق ربح غير مضمون retour sur investissement) ( وتحتم الاهتمام بالبحث العلمي لربح رهانات التنافسية في ظل مناخ اقتصادي محفوف بالمخاطر.

 وهنا يجب استحضار خطة إفشال تجربة حكومة عبد الله إبراهيم الاشتراكية والتي أعطت الأولوية للقطاع الصناعي والبحث العلمي في المخطط الخماسي (1960-1964) لتحقيق استقلالية القرار الاقتصادي والسياسي من خلال تحرير الاقتصاد الوطني والقطع مع التبعية الاقتصادية للخارج.

 فسياسات تهميش البحث العلمي وتطوير الابتكارات، بدول العالم الثالث، تدخل كذلك ضمن مخلفات الإرث الاستعماري والتبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية المتقدمة والتي- في إطار تقسيم دولي للعمل- تؤثر كثيرا على طبيعة الإنتاج والقطاعات الاقتصادية بالدول النامية (دول الهامش الرأسمالي) والتي تشجع أنشطة اقتصادية ذات قيمة مضافة ضعيفة لارتباطها بقطاعات ترتكز على إنتاج وتصدير الموارد الطبيعية والزراعية والمواد الخام وبعض الصناعات التحويلية والخفيفة.

 فإخضاع الدول النامية لنمط إنتاج غير مرتبط بقوة بالبحث العلمي، هو عامل يوسع ويرسخ الهوة والهفوة بين وضعية هذه الدول والدول المتقدمة (دول المركز الرأسمالي) والتي تضع ضمن أولوياتها ومخططاتها الإستراتيجية تطوير البحث العلمي في جميع المحاولات الحيوية والقطاعات الإنتاجية وذات القيمة المضافة الكبيرة من أجل تحقيق التنمية الشاملة والحفاظ على الوضعية المتميزة في الاقتصاد والمجتمع العالمي.

تتمــة…

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى