أقلام حرةفي الواجهة

واقع أسفي..تشريح لا تجريح

isjc

* معاد اهليل

يعيش إقليم أسفي، في الآونة الأخيرة، مخاضا عسيرا. صراعات سياسية، مشاريع متوقفة، وأخرى مغشوشة، جماعات مهمشة، وقرىً منكوبة، والضحية الأزلي بهذا الإقليم، طبعا، المواطن، وتراثها يمضي نحو الاندثار. لا نود الإطالة في التقديم، بقدر ما نريد أن يكون مقالنا تشريحا محددا ومركزا. 

   أُطلقت في السنوات الأخيرة مشاريع كبرى، منها ما هو ترفيهي اجتماعي، ومنها ما هو تنموي اقتصادي، منها ما هو تحت الرعاية المولوية لجلالة الملك محمد السادس، ومنها ما هو تحت وصاية المجلس الإقليمي، ومنها ما هو تحت وصاية الجماعة الحضرية. فتعالوا نستعرض ما أُنجز على غير ما اتفق عليه، و ما لم ينجز، وما أنجز بغير دراسة.

  “الكورنيش”، مشروع ترفيهي ملأ الدنيا وشغل الناس، خاضت السلطة المحلية والجماعة الحضرية، حربا شعواء من أجل تحريره من أحد المستفيدين الذي رفض الامتثال لقرار الهدم وإعادة الهيكلة. فسعد الناس بذلك، وظنوا، لبراءتهم، أنهم سيمشون الهُوَيْنا يتبخترون على ضفة الأطلسي في الصيف المنصرم؛ غير أنهم فوجئوا بزِلِّيج أحمر، يشتهر بوضعه على أسطح المنازل، وكراسي غرانيتية معدودة على رؤوس الأصابع، ومساحات خضراء منعدمة. مع العلم أن المبلغ الذي تم رصده لإنجاز المشروع يناهز ملياري سنتيم، فقضى البؤساء صيفهم يرمقونه من خلف السياج، بنظرات الحسرة.

   المشروع الملكي السكني الذي أطلقه ملك البلاد سنة 2008، والمسمى المشروع السكني “برج الناظور”، وهو المشروع الذي أحيلت أوراقه وتحقيقات الضابطة القضائية فيه على المصالح القضائية، نظرا لوجود بعض الخروقات. وقد رصد لهذا المشروع غلاف مالي يقدر بحوالي 146 مليار سنتيم، وكان من المفترض أن يستفيد منه في  سنة 2011، ما يناهز 20 ألف نسمة. غير أنه وبعد إحدى عشرة سنة، مازال المشروع لم ير النور بعد، ومن المستبعد أن يراه في القريب .

  مشاريع مداخل أسفي، من قبل سبت كزولة، طريق مراكش، ومدخل حد احرارة، كلها لم ترق إلى مستوى تطلعات الساكنة، فعلى سبيل المثال، في مدخل طريق مراكش، تم تخصيص رواق غير صالح لاستعمال الدراجات، ووضعت مخففات للسرعة تمتد لمسافة 10 أو 15 مترا متفرقة حوالي خمس مرات، وهي سطح خشن تترنح فوقه إطارات السيارات يَمْنَةً وشِمالا، مع اعتماد مدارات لا تصلح إلا لتفجير إطارات السيارات. أما طريق حد احرارة، وبعد ما يزيد عن السنة، أُطلقت بادئ الأمر، بعد ضغط جماهيري، دون تشوير طرقي وممرات للراجلين، فراح ضحيتها الكثير من الأرواح البريئة. بالإضافة إلى ذلك فمن حين لآخر، يقع انهيار هنا أوهناك، بسبب بنيته التحتية غير المتقنة.

وأنا أصوغ المقال، شعرت باضطراب فكري، فمنكوبية هذا الإقليم أكثر من أن تُختصر في مقال واحد، غير أني أجدني مضطرا إلى سردها كي يكون الشعب المغربي ومن يتولى أمره على دراية بما يدفع بعض سكان هذا الإقليم إلى الانتحار، أو ارتكاب الجرائم. كما أقدم الخطوط العريضة التي يُنتظر أن يكون قد سطرها تقرير المفتشية العامة، الذي ترأسه السيدة العدوي، والتي كانت في رحاب أسفي شهر شتنبر الماضي، وقبلها قضاة المجلس الأعلى للحسابات.

   معلوم أن أسفي إقليم يناهز تعداد سكانه 600 ألف نسمة، ويتوفر على مستشفى إقليمي واحد تغيب عنه أبسط الخدمات الإنسانية، بحيث يلقبه الأسفيون بمقبرة محمد الخامس، بدل مستشفى محمد الخامس طيب الله ثراه. أما المراكز الصحية بجماعات أسفي، فتعيش وضعا كارثيا، تلخصه وضعية المركز الطبي حد احرارة، الطبيب مرتان في الأسبوع (الثلاثاء والخميس)، والممرض يتولى التطبيب إضافة للتمريض، ومحيط المستشفى، لقربه من السوق الأسبوعي، محاط بالنفايات من كل ناحية.

   أسواق القرب، وتدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وألخص مآلها في سوق مفتاح الخير، الذي بعد أن تم تشييده، ووضعت له اللمسات الأخيرة، فوجئ السكان أنه لن يُفتتح؛ لأنه على مقربة من المركب الاستشفائي القطري. ولكن أيعقل هذا؟ أليس هذا تبذيرا للمال العام؟ أليس هذا غيابا للدراسات الجيوستراتيجية؟ لاسيما وأن مشروع المركب الاستشفائي واجه مشكلة عدم صلاحية الأرض المقترحة لإنجاز المشروع بادئ الأمر؛ وهو ما أخر إنجازه.

   أسعار الماء والكهرباء عرفت طفرة نوعية في السنوات الأخيرة، من قبل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، التي لم يعد يُدرى أهي شركة ربحية، ذات رأسمال، أم أنها شركة مواطنة، تقدم خدماتها للمواطن. فنظام الأشطر المجحف، والقيم الضريبية المضافة، كل ذلك جعل الفواتير تلتهب لتحرق جيوب المواطنين دون رحمة.

  الملك العام يعرف تسيبا منقطع النظير، والسلطة العمومية عندما تفتح ملفه، تستعرض عضلاتها على الباعة المتجولين، الذين لا يملكون إلا قوت أمسهم، في حين تمتد المقاهي المحلات التجارية على الأرصفة بكل تبجح، غير مكترثة بالراجلين الذين يفوضون أمرهم إلى الله، ويشقون طريقهم في الشوارع بدل الأرصفة.

الصيد البحري، قطاع مريض، فلا رقيب ولا عتيد، القوارب وتجهيزاتها غير متطابقة مع ظروف السلامة الصحة، والميناء مزبلة تفوه منها الروائح الكريهة. غير أن كل هذا يبقى هينا إذا ما قارناه بحجم معاناة البحَّارة، الذين يَطالهم ظلم أرباب المراكب وربابنتها، فقد صار معلوما عند القاصي والداني أن البحار لاحظ له من صيد السمك الذي إلا التعب والشقاء، لأن المقابل يكون دريهمات يجود بها عليه رب عمله. غير أن الغريب هو صمت المديرية الإقليمية للصيد البحري، والتي لم يعد يدرى أهي وصي على القطاع، أم حامية لطغاة القطاع؟ كما أن البحَّار يعاني من ضعف قيمة ما يصرح به المشغلون لصندوق  الضمان الاجتماعي، وبالتالي يواجه عند تقاعده مصيرا مؤلما، إذ يتقاضى بعضهم شهريا ما يقل عن ثلاث مائة درهم.

  التلوث البيئي يصل إلى درجة الاختناق، فالغازات السامة التي تنبعث من المركب الكيماوي للفوسفاط، لم تعد محتملة. وإدارة المركب تؤكد على الورق أنها تحترم معايير السلامة البيئية، غير أن الواقع يكذب ذلك. ناهيك عن كونه لا يتحمل المسؤولية العلاجية لمن حوله من المواطنين، الذين تسبب لهم بأمراض تنفسية، وسرطانات أودت بحياة الكثيرين.

  وسأختم بما سطره ابن بطوطة، عندما وصف أسفي “حاضرة المحيط”، بالتراث الثقافي الذي يزخر به الإقليم، غير أنه يمضي نحو الاندثار، لا لشيء إلا أن الأوصياء على المدينة، أو على القطاع الثقافي، لا يكترثون له. قصر البحر فقد كلَّه ومازال بعضه يقاوم التلاشي في عمق الأطلسي الذي لم يرحم شموخه، وجزء من سوره الخارجي طَمست معالمَه المقاهي التي احتلت الملك العام، ضاربة بذلك القيم الإنسانية عرض الحائط. والمدينة القديمة التي لا حظَّ لها من الاهتمام بجدرانها، وأصالة أبوابها، وأزقتها التاريخية. أما دار السلطان، والتي اعتقدت وزارة الثقافة أنه بجعلها مقرا لمديريتها الإقليمية، ستكون قد حافظت على روحانيتها، غير أن الزائر سيفاجأ بأنها ذات ممر واحد يفضي إلى سطح القصر، ويشرف على نظرة بانورامية  للمدينة، غير أن أجزاءا أخرى من القصر طالها الإهمام والنسيان.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى