أقلام حرة

الوكالة في الطلاق بين المد والجزر

isjc

* عبد السلام الطريباق – باحث في القانون الخاص

لما كانت مؤسسة الأسرة مؤسسة عظيمة فقد اهتم بها الشارع الحكيم اهتماما لا مثيل له في القرآن والسنة النبوية ، فهي الضامنة لاستمرار النوع البشري .

وعلى هذا الأساس تدخل المشرع المغربي وكغيره من التشريعات لحماية هذه المؤسسة وضمان وجودها من من خلال تسهيل عملية تأسيسها وتنظيم حالات انهاء الزيجات ، ولهذا نجد المشرع في صياغته لنصوص مدونة الأسرة خاصة تلك المتعلقة بالزواج قد اعتمد على مبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم المتمثل في *يسروا ولا تعسروا* وما يجسد هذا تنصيصه في المادة 17 على الوكالة في الزواج بشكل صريح تسهيلا للأفراد الراغبين في ابرام زيجاتهم ، ولكن السؤال الذي ظل عالقا منذ اصدار م س  هو هل يمكن الاعتداد بالوكالة في الطلاق عل غرار الزواج؟

ان الأساس الذي وضعت عليه م س يقوم على المحاولة الى أبعد الحدود للحفاظ على قيام العلاقات الزوجية ولذلك نجد المادة  73 تنص على أنه لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق الا استثناء وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين لما في ذلك من تفكيك للأسرة والاضرار بالأطفال” وفي المقابل نجد المشرع بدل أن يكون جريئا ويفصح عن موقفه القطعي من مدى إمكانية إعمال الوكالة في الطلاق على غرار ما هو معمول به في الزواج (م 17). هذا الصمت نتج عنه صدام وجدال واسع بين مؤيد ومعارض للوكالة في الطلاق لدرجة أصبح الممارسين في الميدان يستعرضون عضلاتهم على بعضهم البعض أمام جمود أفكارهم واعتماد مبدأ عدم قابلية الأفكار للتحيين والملاءمة مع الوضعيات.

ولما كان المشرع المغربي في مدونة الاسرة قد سكت فان هذا الأمر يجعلنا نستحضر فرضيتين الأولى “واستبعدها” ، وهي أن المشرع قد اختلط عليه الحابل بالنابل فقدم رجلا ( الوكالة في الزواج) وأخر الاخرى (الوكالة في الطلاق) وهو بذلك يكون في وضعية لا يحسد عليها، والفرضية الثانية وهي أن المشرع قد تعمد إغفال الوكالة في الطلاق لغاية في نفس يعقوب قضاها ولا يزال يقضيها ، وبالاطلاع على الاتجاهين نجد لكل منها جانب من الصحة وجانب عار من الصحة ولا أحد منهم في ظلال مبين، ويبدو أن المؤيدين للوكالة في الطلاق يرفعون شعارا أساسه الأصل في الأشياء الاباحة ، ويعتبرون أن المدونة في ديباجتها تنص على فلسفة التسيير لا التعسير وأن الطلاق شرعه الله كما شرع الزواج ، ويؤكدون أن المغرب يعرف ظاهر الهجرة الى مختلف بلدان العالم وفي حالة نشوب نزاع بين زوجين أحدهما خارج أرض الوطن ، فإنه لا يمكن له أن يعود الى أرض الوطن اذا حال أمامه ظرف قاهر ليباشر مسطرة الطلاق وخاصة جلسات الصلح التي تعتبر المحدد الذي من خلاله يتقرر إما نجاح الصلح أو فشله، وفي هذا الإطار ذهبت ابتدائية الناظور الى قبول الوكالة في الطلاق حيث ورد في حكم صادر عنها ما يلي “… حيث قررت المحكمة الاذن للزوج … بواسطه وكيله بتوثيق عقد الطلاق على زوجته وحيث ادرجت القضية بجلسة الصلح ل 13/03/2007 حضرتها المدعية وحضر وكيل المدعى عليه وأدلى بوكالة وموافقته على التطليق مصحوبة بالامضاء في قنصلية المملكة المغربية في بروكسيل” *(1)* ونفس التوجه يسلكه قسم قضاء الأسرة بطنجة، حيث يعتمد على قبول الوكالة الخاصة في الطلاق الاتفاقي وقبل البناء وكذا مراعاة الوكالة حينما يكون الزوجان بالخارج.”

تعرض هذا التوجه لا تهامات عديدة لدرجة أن وصفه البعض بالاتجاه المؤيد للتفكك الأسري والحال أنه اتجاه له دفوعاته المنطقية والموضوعية يستحق أن نحترمه، خاصة وأنهم يجدون سندهم في مقتضيات المادة 400 من م س، حيث ورد فيها كل مالم يرد بشأنه النص في هذه المدونة يرجع فيه الى قواعد الفقه المالكي والمذاهب الأخرى”، وهذا في حد ذاته يشكل أساسا يمكن أن يبنى عليه هذا التوجه، وباطلالتنا الخاطفة لاجتهادات السادة فقهاء المالكية نجدهم يعتدون بالوكالة في الطلاق ويقسمونه الى قسمين طلاق يوقعه الزوج بنفسه وطلاق يوقعه بالتفويض ويدخل في هذا القسم *التوكيل والتمليك والتخيير*  (2).

وفيما يتعلق بالتوجه الذي يعارض الوكالة في الطلاق ويستند بدوره على مجموعة من الدفوعات التي وان كانت تبدو منطقية في بعض الأحيان فإنها ليست كذلك أحيانا أخرى ، ومن هذه الدفوعات التي يعتمدون عليها نجد قولهم بكون المدونة تحلو من أي مقتضى يسمح باعتماد الوكالة في الطلاق كما فعلت مع الوكالة في الزواج، بالإضافة إلى كون محاولة الصلح المنصوص عليها في المواد 81-82-83 من م س ـ، تقوم على الاعتبار الشخصي وبالتالي يستوجب حضور الطرفين لمحاولة استقصاء المتسبب في النزاع ومحاولة اصلاح ذات البين ، ومحاولة الصلح خطوة جوهرية في مسطرة الطلاق لرأب الصدع وإعادة العلاقة الزوجية المتعترة الى حالتها الطبيعية.

ومن المحاكم التي تتبنى هذا التوجه بشكل مطلق ابتدائية تطوان حيث لا تعترف الاخيرة بما يعرف بالوكالة في الطلاق ولنا في هذا المقام حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة بهذه المحكمة عدد 190 الصادر بتاريخ 11/07/2018 تحت رقم 480/1626/2019 “…. وحيث أن سكوت المشرع عن الوكالة في الطلاق دليل على عدم الأخذ بها عملا بالقاعدة الفقهية السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان… ، ويتعين عدم قبول الطلب”(3)

ويظهر أن اصحاب هذا الاتجاه لهم دفوعاتهم المنطقية في بعض جوانبها ، ولكن يبدوا أن أصحاب هذا التوجه يرفضون فكرة وجود اتجاه آخر يقر بوجود وكالة في الطلاق.

ومن وجهة نظرنا نعتبر أن مسألة الوكالة في الطلاق ينبغي أن ينظر إليها نظرة تنبثق من منطلق استشعار المصلحة الفضلى للافراد لا بنظرة التعصب للرأي ما دام كل رأي له أسسه وما دام المشرع قد التزم بخيار الصمت رافعا شعارا واضحا *كم من حاجة قضيناها بتركها* ، واعمال الاجتهاد ما دام المشرع رافعا هذا الشعار يبقى ضرورة ملحة لاحتواء مشاكل المجتمع.

وعليه فإن التوجه المتشدد في رفض الوكالة في الطلاق بدورنا ننتقده ونتهمه بأنه اتجاها نصيا اذ يعاب عليه أنه ظل حبيس نصوص مدونة الأسرة المؤطرة للصلح ولم تتسع مداركه لتشمل حالات لا حول لها ولا قوة الا بالله، حيث يستعصي عليها حضور جلسات الصلح لقيام ظرف قاهر ، فيكون مآل طلباتهم لانهاء الرابطة الزوجية الرفض لا محالة. ولا نقول هذا بقصد فتح باب الوكالة في الطلاق على مصراعيها بل يجب أن ينظر إليها كاستثناء من المبدأ العام القائل بالطابع الشخصي لجلسات الصلح  لأجل مراعاة بعض الحالات خاصة تلكم المتعلقة بالجالية المقيمة بالخارج، ويجب أن نعلم أن رفض الوكالة في الطلاق لم ولن يكون أبدا مدخلا من مداخل إيقاع الصلح ، والقانون ما وجد إلا لخدمة الأفراد وأعمال الاجتهاد لملاءمة النص مع الوضعيات الاستثنائية يبقى ضرورة ملحة يجب أن تحقق.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى