كتاب السفير

الاشراف التربوي “وليس التفتيش”

isjc

* بقلم : الطاهري الشرقي / مدرس، وباحث في السيميائيات

من أبرز صور التسلط الاداري والتربوي بالمغرب هو سيطرة المركزية، والمتمثلة في تمركز السلطة في مؤسسات التعليم في أيادي فئة محدودة جدا من القيادات الادارية، بدءا بما يسمى “بالتفتيش” مع العلم أنه أجدر تسميته “بالاشراف التربوي”، ووصولا الى هرم السلطة أي الوزارة الوصية عن القطاع، وهذا ما ساهم وبشكل وفير في تهميش باقي الفرقاء مثل “المدرسين” على أساس أنهم الحلقة الأضعف في المنظومة، هذا من وجهة نظر باقي المسؤولين التربويين، الشيء الذي يؤدي الى هدر الطاقات وتبديد الجهود لدى المدرسين وإعاقة تحقيق الأهداف التي تنشدها الوزارة.

وهذا يحيلنا حتما الى المظهر العام المتجلي في “البيروقراطية وكذا المشكلات الادارية”. فتولد عندنا ضعف في ما يخص الاهتمام بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والذي مرده جزئيا لأسباب سياسية محضة متجلية في :

التمييز التربوي.التسلط التربوي. الاقصاء والتفرقة بين المدرسين. سيطرة العملية النظرية. ضعف العناية بالدروس التطبيقية. التركيز على المعلومة وحشو أذهان النشء بها. ضعف المهارات والتقنية المكتسبة. وجود مقررات دراسية رتيبة ومملة. هذا دون الحديث عن البنى التحتية للمؤسسات التعليمية خصوصا في السلك الابتدائي.

والمشكلة الكبرى هي تسلط أعطاب تربوية مزمنة كارثية على المنظومة والتي تنخر هذا الجسد التربوي كالورم لأنها ببساطة لم تقدر ولن تقدر على تغيير جلدها مع مرور الزمن حتى تساير الركب وكل ما تثقنه هو لغة الاستعلاء والاستقواء والجبروت وجرعات زائدة من النرجسية والبيروقراطية التي لم يعد لها مكان بين ظهرانينا في الزمن الحالي.

فتعاملهم مع القطاع والعاملين به من “مدرسين” باستخفاف مبالغ فيه بحكم أن المشرع الاداري لم يضع اطارا لهذه الفئة من الأطر المفتشين”مع التحفظ على التسمية اللا تربوية والتي لها رمزية “بيروقراطية سلطوية”. فجلهم لا يفقهون شيئا في التكوين الاكاديمي “دراسات جامعية”. بل اكتفوا بتكوين بالمركز + باكالوريا يتيمة الشيء الذي ورثهم ضعف جهاز مناعة فكري.

ولم يضع لهم المشرع اطارا يشتغلون فيه، بل تركهم طلقاء أحرارا مجرد موظفين أشباح يتلقون تعويضات سمينة مقابل لا شيء، كل ما يحسنونه هو الجلوس في المقاهي أسندت لهم مهمة التأطير وهم الذين لا علم لهم بما يسمى باللسانيات والتواصل والبنيوية وعلم الدلالة… وووو .

ومن يكون دو سوسيير ولا رولان بارت ولاميشيل فوكو ولا تشومسكي. وغيرهم كثير .فالمتتبع للاشراف التربوي بالمغرب سيلاحظ بانه يتسم بالسلطوية. ومزاجية “المفتشين”. والتي يهدف أصحابها الى ترهيب المدرسين واحراجهم. فنسي “المسمى جزافا مفتش” بأنه مطالب ببدل مجهود أكبر لمساعدة المدرس وتوجيهه كي يتغلب على معيقاته. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. فمهمة التأطير والاشراف تهدف إلى أجرأة وتطبيق التصورات والاختيارات التربوية من مقاربة ومنهجيات وأساليب وعدة تنظيمية. إلى إجراءات عملية ميدانية بغرض تحقيق الأهداف في حين لا نجد لهذا المفهوم تدقيقا في الوثائق الرسمية وبرنامج هذه الفئة التي أنيطت بها مهمة المراقبة والتأطير .بل يتقنون فن زيارات ناذرة تغلب عليها المزاجية والذاتية ويبدو ذلك جليا من خلال ما ينجزونه من تقارير انطباعية وليست ملائمة من حيث الدقة والشمولية. تفتقر الى الموضوعية حتى تصير هي الأساس لتطوير عملية التعليم.

ولكي يتحقق لنا اشراف تربوي جاد بمفهومه الحديث لا بد من استحضار الديمقراطية التعاون، الشمولية، والموضوعية، وابتعاد أو تجنب هيئة الاشراف التربوي تلك الاجتماعات العقيمة والتي تتميز بالسلبية والسطحية والتنظير …وتغييب مفهوم السلطوية، فالسلطوية التربوية تؤدي الى اعاقة الابداع. وهذا ما يسلكه من أوكلت اليهم الوصاية على القطاع.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. أخي وزميلي الأستاذ الكريم السيد الطاهري الشرقي
    سلام الله عليكم
    بعيدا عما يحمله مقالك من رمزية شيء / حدث / حالة / وضعية … عنيف/ قاهر … شرخ ما بين ممارستك الأستاذية وممارسة المؤطر التربوية من وصال، وعمق الجرح بينكما في إطار منظومة تربوية تستوجب حتما بحكم طبيعتها التواصلية التكامل والتعاون والتفاهم والتحاور ووضع المصلحة العامة للمتعلم فوق أي اعتبار، وأحالكما إلى خصمين لدودين متصارعين متسارعين إلى المشاكسة التي تفضي إلى التعميم في الحكم والموقف، مما يشين فعل القول والكتابة والاستنتاج. لذا؛ وأنا أجدك من الباحثين في علم الرمز والترميز يفهم ما وراء الإشارة أن يعدل عن التعميم وحصر ما يشين منظومة التربية والتكوين بأهله دون غيرهم من شرفاء النظام التعليمي. ولعل زمن الرقميات والمعلوميات … وزمن المعرفة كفيل بأن يهمس في أذننا أن شهادة شهادات، وأن من أسس اللسانيات أصبح أبا لها يخلده متحفها، وأن البرمجيات أصبحت تتحدث عن فعل لساني رقمي وافتراضي يحمل من دلالة التطور اللساني الشيء الكثير.
    فعلا عزيزي الطاهري الشرقي مقالك ثري غني بواقع فيه جانب أصبح في حكم التاريخ والتأريخ وآخر مازال قائما بيننا مع الأسف يستوجب المراجعة والتصحيح حتى يستقيم فعلنا التعليمي والتربوي إن أردنا أن يحقق الغايات والأهداف. وأن يقطع مع ظواهرنا السلبية المعوقة لمسيرتنا التربوية والتكوينية.
    لك كل تقدير واحترام ودمت متألقا نستفيد من كتاباته
    عبد العزيز قريش

    1. أستاذي الكريم والمجد (عبد العزيز قريش) أنا أتابع أعمالك في المنتدى عن كثب وأنت واحد من القلة القليلة التي تجد كي ترقى بمنظومة التكوين والتأطير كي تلامس الأهداف المرجوة ولما لا يتم تحقيقها؟ تجدني أقف احتراما أمام هذه الكلمات الراقية منك
      في كل أبعاد خيوطها .
      كيف لا وجمالية ردك بروعته وحروفه الراقية ،حتما ستحفزني على الكتابة الهادفة وأعذرني ان كنت أسهبت في الحديث بصيغة الاجماع أو التعميم في الحكم كما تفضلتم في مقالي حول “الاشراف التربوي ” ربما سهوا مني .ولكن رصانة تعبيرك سترغمني على التمييز بين الجيد والمعتدل والرديء في قادم الايام ان شاء الله .ما أشرت اليه هوغياب أو انحدار لتلك الميزة اللامعة لرجل التربية كيف ما كانت صفته “مؤطرا أستاذا اداريا…وهلمجرا” والمكانة التي يجب أن يتبوأها ضمن مكونات هذا الوطن والتي ستجعل التنمية البشرية ركيزة في النهوض والذهاب أشواطا بعيدة في التنمية والنماء…استنادا لما سبق أقول إن الدور الحقيقي،والقيمة المضافة المنتظرة منهيئة الاشراف التربوي ليس هو التشخيص وإنما الابتكار في طرح الحلول وهو الأمر الذي يحتاج لجرأة كبيرة في وصف النصف المملوء من الكأس والإرادة السياسية لملء النصف الآخر الفارغ….ولك مني أرقى التحيات .ذ عبد العزيز قريش .
      ذ.الطاهري الشرقي مدرس وباحث في سيميائيات تحليل الخطاب السياسي

  2. سلام الله عليكم أستاذي الجليل، أوافقك كل ما قلته لأننا فقدنا الأشياء الجميلة ولم يبق لنا منها سوى القليل، لذا؛ نحن في حاجة ماسة بل نحن في وضعية تستدعي بالضرورة الإبداع لأنه مدخل كل تقدم وتطور. دمت دائما متألقا نستفيد من قلمك الفياض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى