في الواجهةكتاب السفير

ما دوافع وسر التطاحن لشغل منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية ؟ الجزء الثاني

isjc
* ذ. ساجد مصطفى

 وعليه، فالرأي الحر والموضوعي المرتبط بهاجس المصلحة العامة أصبح من قبيل العملة النادرة في ظل مناخ الوصولية والتكتلات المصلحية والدفاع عن استمرارية وسخاء عطاء البقرة الحلوب ووفق هذه الاعتبارات، فالتطاحنات على شغل منصب عميد لا تختزل في المرشحين فقط، بل تهم مجموعة من الفاعلين الجامعيين الذين يراهنون على مرشحين معينين حسب انتظاراتهم معتبرين عميد المؤسسة كراعي للمصالح والذي يظل رهين أولياء نعمته اتجاه أطراف الضغط والتوصيات والمقايضات كأعضاء بمجلس الجامعة ورئاسة الجامعة والمكاتب النقابية ونماذج بالأحزاب السياسية لها مصلحة على مرشح معين…

على ما يبدو أن المصلحة العامة أضحت هدفا صعب المنال والتحقيق و مفهوم منتهية صلاحيته وأنها تتعارض مع الطموحات الشخصية المتفاقمة وعلى أولوية قضاء المصالح الفئوية والعشائرية و التي تفشت في السنوات الأخيرة بالجامعات العمومية بحيث يتم تبريرها بكلفة مستوى العيش وبالأجور المجمدة مع العلم أن الأستاذ الباحث يعتبر منتجا للأفكار والمعرفة وأنه لا يمكن بتاتا هضم تبريرات تسليع وتبضيع المهام الجامعية بغية التسلق السريع والإغتناء بالطرق الملتوية  وفي إطار نظام الامتيازات بأساليب الزبونية من داخل فضاء جامعي كمرفق عمومي ليست به رهانات الربح والمنطق التجاري. 

إن نهج منطق الصالح العام و التقيد الصارم بالقانون واحترام الهياكل الجامعية وتغليب معايير الشفافية والنزاهة في التسيير المالي والعلمي والبيداغوجي واحترام تكافؤ الفرص ونبذ المحسوبية والزبونية، هذه كلها اعتبارات ومبادئ وقيم و واجبات لم تعد لها مكانة بالفضاء الجامعي، بحيث أن هناك من يسبح في الماء العكر ويحقق أهدافه الانتهازية في ظل قانون الغاب والأساليب المافيوزية والتواطؤ على احتكار القرار من طرف الجهاز الإداري و الاحتماء. بمجموعات الضغط التي تحقق مبتغياتها بالمقايضات وبالولاءات وتسديد الخدمات .

غريب شأن هذه المؤسسة الجامعية لاسيما وأن عدم الحسم في أمرها، لمدة تناهز أربع سنوات، يطرح عدة علامات استفهام حول دوافع التماطل و الإلغاءات المتكررة لمباراة شغل منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية.

فالتطاحنات للسطو على هذه المؤسسة تفسر أساسا من خلال الرهانات المرتبطة بطبيعة تكويناتها ومهامها المرتبطة بمعارف وأبحاث ذات أهمية ومهن ذات نفوذ بالدول المختلفة والأقل ديمقراطية.

فهذه المؤسسة الجامعية تؤدي ثمن تواطؤات واسعة بين مجموعات الضغط والأطراف النقابية والسياسية و رئاسة الجامعة وبعض أعضاء هياكلها (خدام الأسياد وحاشية الجهاز الإداري المستبد)، بحيث أن “أخطبوط المصالح المتبادلة “أصبح له تأثير على مناحي عديدة بجامعة الحسن الثاني في بالدار البيضاء.          

فلا يقبل بتاتا أن يظل العامل الحاسم غالبا ما يكون هو التأقلم الانتهازي والبراغماتي مع طبيعة الأمواج وذلك عبر طرق أبواب النافدة ولباس غطاء الأحزاب النافذة والاصطباغ بألوانها وطقوسها كتكتيك للعبور والظفر بالمنصب كجزء من الغنيمة.

وعليه فإن عملية التعيين برمتها تظل خاضعة لتجاذبات تضرب المؤسسة الجامعية في الصميم باعتماد مباريات شكلية وصورية كذريعة للتحكم في عمليات التسجيل بالكليات و الانتقالات و كذا التوظيفات، وإخضاعها لأجندات وحسابات ضيقة إما حزبية أو ذات ارتباطات بجهات نافذة، وكذا تسخير شبكة العلاقات الزبونية المشكلة من الأقارب والمعارف. يتم ذلك في جو مشحون بالتطاحنات والتواطؤات و الطموحات المتصارعة المثيرة للاستغراب و التساؤل، ولا يمت بأية صلة إلى مطمح أن تلعب الجامعة أدوارها الطلائعية  فيما يتعلق بالإشعاع المعرفي وتطوير البحث العلمي و الدفاع عن مبدأ تكافؤ الفرص والحرص في المقام الأول على المصلحة العامة .

فالاقتراحات والتعيينات لرؤساء المؤسسات، من منطلق المقايضات مع الأطراف النقابية والحزبية وتحت ضغوطات جهات نافذة، أضرت كثيرا بالتدبير الجامعي بالأهداف المتوخاة من المهام الجامعية (التكوين المعرفي والبحث العلمي)، بحيث أن من يتم تزكيتهم على هذا المنوال يظلون رهائن نعمتهم خلال الولايات المعنية، وأن “المؤسسات الضحايا” تؤدي ثمن فرض نماذج مدينة لأطراف وجهات نقابية وسياسية وإدارية ومقاولاتية والتي تراهن على رد المعروف من استفادات وامتيازات (التسجيلات وخاصة بأسلاك الماستر والدكتوراة، التوظيفات بتشكيل لجان على المقاس، اقتسام الموائد باستغلال المال العام لتسديد فاتورات المطاعم، فتح المؤسسات للتوسع الحزبي واستقطاب الفاعل الجامعي كالطلبة، الدعوات المكتفة للوزراء لتأطير ندوات البهرجة و “كعب الغزال…”).

فدعم رؤساء المؤسسات من طرف جهات حزبية ونقابية ومن طرف رئاسة وهياكل الجامعة يمنحهم التأشيرة والمساندة المطلقة للتحكم في دواليب ومرافق المؤسسات، كما هو حال كلية الحقوق بالمحمدية التي عانت من منطق فرض الهيمنة المطلقة ومركزة القرار وكذلك تشجيع هذه الجهات على التمادي في احتراف التجاوزات والأفعال والممارسات المنافية للقانون من خلال عدم إيلاء أدنى اهتمام للشكايات وللتظلمات وعدم معاقبة دوي المسؤوليات على اقتراف الخروقات والاعتداءات وبعدم تفعيل المادة الأولى من الدستور التي تربط المسؤولية بالمحاسبة وتشجيع الإفلات من العقاب. ما يجب تأكيده ،هو أنه لا أحد يولد متسلطا وأن ديكتاتورية الفرد ليست مسألة بيولوجية مرتبطة  بالجينات، بحيث أن الواقع هو الذي يحدد التوجه الفكري وأسلوب العيش والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.وعليه فديكتاتورية كلية الحقوق تمت مباركتها وتعليفها ومساندتها من طرف مجموعة من الفاعلين الجامعيين بالمؤسسة، وكذلك بدعم من ذوي المسؤوليات خارج المؤسسة والذين اصطفوا مع نمط التسيير المتسلط في إطار أهداف تبادل المصالح واقتسام المنافع. فتعليف الجهاز الإداري وعدم محاسبة أفراده وبلطجيته دفع إلى اعتبار الكلية كضيعة قابلة للاستبداد واستعراض عضلات التسلط وربط الحقوق بواجب الطاعة والولاء، و اقتراف الاعتداءات و المس بالحقوق المشروعة ضد من لايدور في فلك الرضا واللجوء إلى محاولات ترهيب من يصعب تدجينهم واحتواء أرائهم مواقفهم. 

فهذا الامتثال للأوامر والرضوخ للإملاءات يتجسد جليا في التوقيع على عريضة العمادة، بالمكاتب الإدارية من طرف أغلبية الأساتذة، تهدف من خلال محتواها إلى تبييض سوابق التسيير للعميد وفريقه ، وكذلك ضرب مصداقية عمل وبيانات المكتب النقابي المحلي السابق الذي ارتأى الدخول في صراع عوض الحوار بعد الاصطدام بالتعنت وعدم الاستجابة لنقط جوهرية بالملف المطلبي. فهذه ممارسات غريبة وكارثية بدأت تتفشى بجامعة اليوم بحيث أن الأستاذ أصبح يصطف مع الجلاد ويباركه ويساند تجاوزاته ويحرضه على ارتكاب الاعتداءات ويحميه (Le syndrome de Stockholm).

أستاذ بكلية الحقوق المحمدية *

يتبــــــــع

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى