فن وثقافةفي الواجهة

“خربوشة” صوت هز عرش قايد القياد

isjc

السفير 24- ملاك دوى

هناك قولة “لتشي جيفارا” تقول “الجبناء لا يكتبون التاريخ ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن و قاد ثورة الحق و أحب الفقراء” …..

بطلة قصتنا خير من حولت قولة جيفارا، من كلام على ورق إلى واقع شهد عليه التاريخ بنفسه ودونه في صفحات كتابه . هي شخصية أسطورية ، بطلة، شاعرة، مقاومة، وأهم من طبع نهاية القرن 19 في المغرب، تتعدد صفاتها كما تتعدد أسمائها “حادة الزيدية”، “حويدة الغياثية”، “لكريدة”، “زروالة”، “العبدية”، وأشهرها “خربوشة”.

عرف المغرب بعد وفاة “المولى الحسن الأول”، ثورات قبائل الرحامنة ودكالة وعبدة، ثورات نتجت بعد أن تحول رجال السلطة إلى سلاطين عللى مماليك صغرى اشتهروا بجبروتهم و ظلمهم مستغلين الأزمة المالية للبلاد، لزيادة ثرواتهم على حساب قبائل ضعيفة وقفت عاجزة لا حول لها ولا قوة.

وكان من بين الطغاة، آنذاك القايد “عيسى بن عمر العبدي”، أهم قياد الكبار اشتهر بقسوته و بالمجزرة التي ارتكبتها قواته في آسفي لقمع انتفاضة “أولاد زيد”، المعروفة أيضا بعام “رفسة” …. يقال أن لكل ظالم نهاية و نهاية “عيسى” كانت على لسان “خربوشة”، فجرأتها التي افتقدها الكثير في زمنها، مكنتها من قول “لا” ، متحدية المخزن، منحازة إلى أهلها المظلومين دون أن يهتز لها جفن، فقبيلتها تمثل أكثر قبيلة تضررت و تذمرت من بطش المخزن و اعتصاره الضريبي، فقد كانوا أفقر سكان عبدة فأرضهم صخرية لا تترك إلا بقعا محدودة لا تصلح للزراعة، بل يكتفون بتربية الماشية بحيث كانوا يجدون مشقة جراء ضرر لاحق سنوات الجفاف و الجراد، و تخصيص قسم كبير من الأراضي الخصبة كمراعي للقايد “عيسى”، وأكثر من ذلك فإن هذا الأخير بحكم العرف يختار لنفسه أفضل المراعي بأولاد زيد و بغيرها من الأراضي، و أمام ضنك المعيشة لم يجد معه عدد من أبناء دوار أولاد زيد سوى الهروب خارج ديارهم سنة 1895، التي تؤرخ لي انتفاضتهم حتئ سمي عامها “بعام الهربة”.

لم تختار “الزيدية”، السلاح لتعلن حربها، بل اختارت العيطة كما قالت في قصديتها الشهيرة ” و لاباس و لاباس و لاباس .. هاك الدق بلا قرطاس” … بكلامها الموزون استطعت زرع حب الوطن في قلوب أبناء قبيلتها، فكانت تجالس مقاتلي أولاد زيد ليلا بعد عودتهم من معارك الكر و الفر، فتنشدهم قصائد (عيوط)، كلها تحميس و تحريض على متابعتهم الحرب ضد القايد المتسلط، و تحتهم فيها على التباث و الصبر و المبادرة بالهجوم.

انتشرت أشعار “زروالة”، كالنار في الهشيم لتلامس حرارتها قايد القياد “عيسى بن عمر” : “فينك ا عويسة و فين شان و المرشان .. تعديتي و خسرتي الخواطر وظنيتي القيادة على الدوام”، ورغم سجنها و تعذيبها إلا أنها لم ترفع الراية البيضاء، بل احتفظت بمابدئها وثابرت إلى آخر رمق، تؤرخ بأشعارها لحقبة حرجة من تاريخ المغرب موردة في متن عيوطها أحداث و قضايا سكتت عنها الكتب المؤرخة لتلك المرحلة.

تختلف الروايات عن طريقة قتل “خربوشة”، لكن القصة الشائعة هو أنه تم أخدها إلى القايد الذي أمر بسجنها داخل بئر يوجد داخل منطقة الحصبة، لا زال يعرف إلى اليوم باسم “بئر حويدة”، لكن يبقى الشئ المؤكد هو أن “خربوشة”، لازالت حية في قلب كل مغربي، و أنه يكفي أن تسمع أغانيها لكي ترى شريط بطولاتها يمر أمام عينيك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى