في الواجهةكتاب السفير

الانتهازية في زمن “كورونا”

isjc

* طارق شهير

كشف “فيروس كورونا” عن مواقف وسلوكات انتهازية مقيتة داخل المجتمع المغربي لا تقل خطورة عن الفيروس المستجد، وإن كانت تتفاوت من حيث درجة الانتهازية التي بلغت ذروتها مع فئات واسعة من سائقي سيارة الأجرة بخرقهم قرار وزارة الداخلية القاضي بتخفيض عدد الركاب إلى ثلاثة؛ إما بالمحافظة على العدد نفسه خلسة أو بمضاعفة ثمن الرحلة دون اعتبار للمواطنين الذين وجدوا أنفسهم تحت رحمة مركباتهم وهم في طريقهم إلى العمل أو التسوق أو التطبيب أو تفقد الأهل.

شريحة من المجتمع هي الأخرى أبانت عن جشع منقطع النظير، تجسد بشكل جلي في التهافت على المواد الغذائية والخضر والفواكه واللحوم والدواجن… من خلال غزو الأسواق والمتاجر فأتت على الأخضر واليابس، رافعة شعارا “أنا ومن بعدي الطوفان” رغم تأكيد الدولة على وفرة المنتوجات، ليتجاوز الأمر ذلك إلى قنينات الغاز، خاصة بعد تصريح وزير الطاقة والمعادن والبيئة “عزيز رباح” بالتأكيد على سد حاجيات المواطنين من غاز البوتان؛ تصريح دفع العديد من تلك الشريحة إلى اقتناء المزيد من القنينات مما يعكس أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع؛ إشكال آخر لا يسعف المقام لتناوله حتى أن معالمه طفت على سطح القطاع الصحي؛ فكلما صرح مسؤول- سواء تعلق الأمر برئيس الحكومة “سعد الدين العثماني” أووزير الصحة”خالد آيت الطالب” أو مدير مديرية علم الأوبئة ومكافحة الأمراض”محمد اليوبي”- بعدم ضرورة اقتناء “القناع الواقي” من قبل العامة باعتباره خاصا بالمرضى والعاملين في قطاع الصحة كلما تزايد الإقبال عليه، مثل ما حدث مع الدواء الذي لم ينجُ هو الآخرمن غزو المغيرين على الصيدليات وهم يكيلون ما لذ وطاب من الأدوية، مما عجل بظهور فئة من الانتهازيين الجدد؛ يتعلق الأمر هذه المرة بالصيادلة ومحلات بيع المعدات الطبية التي ضاعفت من أثمنة الأقنعة الطبية والسائل المعقم إضافة إلى القفازات، التي شهدت بدورها انتشارا في صفوف المواطنين على قدر ما تلتقطه من أوساخ ومكروبات من طرف مرتديها مما زاد الفيروس بلّة.

في السياق نفسه وفي الوقت الذي يداوم فيه الكثير من الأطباء والممرضين على القيام بتتبع الحالات المرضية، فضل عدد من ملائكة الرحمان على الأرض التابعين للقطاع الخاص إغلاق عياداتهم أمام المرضى من شيوخ وأطفال ونساء … غير آبهين بمعاناتهم وآلامهم، متناسين في لحظة “قسم أبقراط” الذي يؤكد على صيانة حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال..” الشيء الذي فاقم من معاناة ذوي الأمراض العادية والمزمنة الذين وجدوا أنفسهم أمام غياب الأطباء سواء في القطاع الخاص أوالمستشفيات العمومية خاصة الإقليمية منها التي باتت فارغة الا من بعض الممرضين وأعوان الصحة والأطباء المتدربين.

إلى جانب كورونا ظهرت مراسلة من طرف هيئة المدارس الخصوصية موجهة إلى السيد رئيس الحكومة تمثل الوجه الآخر للانتهازية، هذه المؤسسات التي لم تكتف بامتصاص جيوب الأسر مقابل نفخ النقط واعتماد أسلوب تسويقي محبوك يوهم أولياء الأمور بعبقرية أبنائهم في ظل تواجدهم بأحضانها، لم تكتف بامتصاص دماء الأساتذة والأستاذات تجاه العمل الشاق الذي يقومون به مقارنة مع أجرة هزيلة لا تأتيها الزيادة من بين أيديها ولا من خلفها، لم تكتف بالوجبة الدسمة التي كانت تبدأ من 7 ليلا إلى 10 في إطار ساعات الدعم الإضافية، قبل أن تتدخل الوزارة الوصية لمنعها مؤقتا في قالب ينم عن تهديد ووعيد،تناست كل ذلك فطالبت من خلال مراسلتها بحقها في الدعم من الصندوق المخصص للوباء؛ وهو الموقف الذي دفع البرلماني “عمر بلافريج” إلى الدعوة لتأميمها من طرف الدولة.

أمس الاثنين، أثناء التنقيب عن وثيقة التنقل الاستثنائي، انتهز بعض أعوان السلطة الظرفية الحرجة التي يمر بها المجتمع، وسلطة التوقيع التي منحت لهم ليعربوا عن سلوكات فظة بلغت إلى التهديد والوعيد بعدم تسليمها للأشخاص الذين وثروا أعصابهم وعكروا صفوهم؛ أشخاص وجدوا أنفسهم بين مطرقة خطاب إعلامي صارم يحذرهم في كل مرة من عقوبات زجرية تترواح بين الحبس والغرامة إذا ما أقدموا على مغادرة بيوتهم دون ترخيص وبين سندان الواقع الذي يلزمهم بضرورة التوجه إلى عملهم، بحثا عن القوت اليومي الذي قد يحرمون منه جراء تأخرهم أو غيابهم، خاصة أولئك العاملين لدى الشركات والمصانع التي لا يفقه أربابها لغة الأعذار، أو يلزمهم –ذلك السندان- بضرورة التوجه إلى علاج مرض مزمن يتعلق بهم أوبذويهم ولا يحتمل التأخر أو الاعتكاف في المنازل، مما خلق تجمعات وتدافعات طالما اجتهدت الدولة في تجنبها والتصدي لها،نتيجة ارتباك ناجم عن غياب تأطير أعوان السلطة من طرف بعض قياد الملحقات الإدارية لمدهم بخطة محكمة في تدبير توزيع الوثيقة بمرونة وسلاسة.

هي نماذج إذن تكرس جانبا من ثقافة مجتمعنا المغربي، وإن كانت تتفاوت على المستوى المعرفي والمهني والاجتماعي..فإنها تشترك في الطابع الانتهازي الذي كشف عنه فيروس كورونا فأضحت ككورونا أو أشد وإن من كورونا لما يعالج ويشفى صاحبه، وإنّ منه لما يبحث له عن لقاح مضاد، أما نماذجنا هاته فلا يصدها وباء ولا يعظها بلاء.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى